قبل كل سقوط
في بعض الأحيان قد يملك الانسان أشياء من الصعب أن يتقبل فقدانها
فتجده يضحي بكل مايملك من قوة لكي يبقيها ملك له إلى الأبد ، يخوض
حروب ضد إجتياح الفراق اللذي يوشك أن يفصل بينه وبين تلك الأشاء
الثمينة في حياته ،، كم من المرات يطعن في قلبه وكم من المرات يبكي
ألماً وكم من المرات يضيع في الطرقات المظلمة وكم من المرات يداس
في صميم كرامته ويُقذف بكلمات تمزق أشلائه فتجده متناثراً أمام الجميع
من حوله ولكنه يجمع قواه ويلملم كل جزء قد تناثر منه ويمضي متشبثاً
بالأمل الذي لطالما أبقاه مؤمناً بأنه سيجتمع ذات يوم بمن أحب وسيبقى
برفقتها إلى الأبد ومن يدري ربما سيحقق الله له ذلك !!
عندما كنت وحيداً ذات ليلة واقفاً أمام مرآة غرفتي قابلت رجلاً غريبا لم
أقابله من قبل كان وجهه يرتدي الأبتسامة طيلة لقائي به وعلى الفور
مددت يدي له لأصافحه ولكن لم يفعل هو ذلك فقط أكتفى بسؤاله لي
قائلاً هل لك أن تقول لي إلى متى سيرافقك هذا الحزن الذي منذ أن
عرفتك وهو عنوان وجهك الدائم ؟
نظرت إليه وعلامات التعجب ترتسم وسط جبيني وقلت له وهل تعرفني؟
رد قائلاً نعم أعرفك ولكنك قد نسيت من أكون ،، هنا بدأت ثوارة فضولي
تزداد وقلت له ومن تكون أيها الغريب ؟؟
ثم أنكس رأسه وقال كم كان من السهل عليك نسياني ،، وقلت له بنوع من
الغضب لست مستعداً أن أخوض حواراً غامضا مع شخص يعرفني وأجهل
من يكون ليس من الأنصاف هذا ثم ماللذي يجعلك على ثقة بمعرفتك لي ؟
أجابني قائلاً نعم أعرفك جيداً ومدى معرفتي لك تتعدى معرفة أي إنسان
لك على وجه الأرض...
قلت له حسناً ومن أكون قُل لي ؟
فقال والثقة تعتليه أنت فلان أبن فلان الفلاني أليس كذالك ؟
فقلت له نعم ولكن من تكون أنت ؟
سكت لبرهة ثم قال ستعرف من أكون عن ماقريب فقط قُل لي منذ متى
وأنت واقفٌ أمام المرآة ؟ فقلت له قبل أن ألتقيك بقليل ولكن لماذا قد تسأل ؟
فقال ألم يحن الوقت لنسيانها ؟
حينها إنهار كياني باكياً وأحسست بيداه تساعدني لأقف ثم قال لي
إياك أن تنكسر للحظة .. فقلت وماذا بقي لي غير الأنكسار فقد كانت في يوماً
مُلك لي ولم تعد كذلك !
فقال أعلم ذلك ولكن الحزن لايفيدك بشي أبداً أنظر إلى نفسك أنظر إلى
وجهك الذي لطالما كان رمزاً للسعادة ،، وقلت له والدموع تشق طرقاتها على
وجنتاي نهراً وهل تظن فراقها ك الثلج على قلبي ؟
فقال ليس هذا ما اقصد ولكن يجب أن تتحدى الحزن واليأس وتقف أمامهما
ك الطود المنيع لا تدع رياح الفراق تعصف بك هكذا ..
فقلت له لقد مضى من العمر الكثير والكثير ومازالت ذكرياتها ترشق قلبي
بحبها كل حين وآخر ،،
قال ونبرات صوته بدت وكأنها قد تعلمت الحزن مني ،، يجب أن تغادر
شواطئ حبها وتبحر بقلبك نحو حباً آخر ..
قلت له دعني وشأني فأنك تجهل ماذا كانت تعني لي ولم أحبها إلى الآن ،،
فقال وإن لم أكن أعرف فهل نهاية حياتك كانت يوم فراقها يجب أن تدرك
نفسك قبل الضياع..
قلت له وكيف لي أن أمحو أسطر ذكرياتها من على صفحات مخيلتي ؟
لا أستطيع ،، قال بل تستطيع إن كنت تنوي أقترب مني تأمل في
وجهي جيداً ماذا يمكنك أن ترى ؟
فقلت له السعادة هي من أرآها ترتسم على وجهك ،، فقال ألا يعني لك
ذالك شي ألا يحرك بداخلك ذكرى ؟ قلت له وماذا يعني لي وجهك السعيد
فأنت رجلُ وأنا رجلُ آخر ربما في حياتك إنعدم الحزن بتاتاً ولست مثلك
في كثيراً من الأمور ..
فقال يافلان أن الحياة مليئة بالتحديات والمصاعب الكثيرة وليس من الصواب
أن نستسلم لها بل هذا هو الخطأ الكبير ومثل ماهي مليئة بالفراق والحزن
فهناك جانبٌ آخر يمتلئ بالتواصل والحب والشفافية وثق دائماً بأن الله سيعوضك
قلت له أعلم ذلك جيداً ولكنك لاتدرك مدى حبي لها لذلك أرجوا
منك أن لاتطلب مني نسيانها فالبقاء على ذكراها أهون لقلبي من أن أستبدلها بحبٍ
جديد.. فقال لي أمازلت تعتقد بأني لا أعرفك ولا أدرك مدى أهميتها بالنسبة لك
ومدى حجم حزنك لفراقها ؟ فقلت له نعم أليس هذا بصحيح إن كنت تعلم لما تفوهت
بكلمة تدعوني بها لأتغير وأنسى من عاشت ومازالت تعيش في قلبي ،، حينها أحسست
أن العجز في إقناعي بدأ يهزم إصراره وقال أفهم كل مابداخلك فقد كنت يوماً ظاهرك
الدائم إلى يوم فراقكما واليوم أنا عائدٌ لأجد نفسي فيك مرة أخرى ...
قلت له ما الذي تقصده بكلامك هذا ؟
فأجاب قائلاً إن الرجل الذي يقف أمامك هو انت يافلان !!!
فضحكت بوجه عابساً يائساً وقلت له بأستهزاء ولكنك لاتشبهني أبداً
فقال نعم وقد كُنت أنت السبب في ذلك ،، وقلت له ولم أنا السبب ؟؟ فأجابني قائلاً
أنت من تخليت عني ورضيت لنفسك الحزن والضياع ..
أثار هذا الرجل حفيظتي وقلت له بصوت عال ومن أنت ومادخلك بي ؟؟
فقال أعتذر لك لم أكن أقصد أن أفقدك أعصابك إنما كُنت أنوي أن أعود لك
كما كنت قبل كل هذا .. فقلت له وماذا كنت أيها الغريب ؟ قال والأبتسامة لاتفارق
محياه لقد كنت وجهك المبتسم دائماً وجهك الذي لايعرف الحزن أبداً وقد افتقدتك
كثيراً لذلك أطوق لمعانقتك وإحتواء وجهك مادمت حياً فأنا هو أنت ذاك الرجل
السعيد المبتسم ،،
تعجبت من قوله وأحسست بأنها كذبة قد قالها لي فأمسكت بزجاجة عطراً كانت
بجانبي وألقيتها على المرآة وأنا أصرخ إرحل إرحل فتناثر وجهه مع زجاج المرآة
المنكسر ورحل ..
أتعلمون ؟ بدأت أشتاق إليه كثيراً فقد كان يحمل سعادتي بين تقاسيم وجهه المشرق
نعم لقد كانت سعادتي التي أضاعتها الاحزان بحوزته ولكنه لم يأتي لزيارتي
منذ ذلك اليوم ،، يااااال حذاقتي أسأت التصرف.
مازالت أصداء كلماته يرفرف على مسامعي ومازالت تسندني قبل كل سقوط...
بقلمي : مخاوي الهم
28 / 8 /2011
مواقع النشر (المفضلة)