المحسوبية هي محاباة الأقارب أو الأصدقاء، لا بسبب كفاءتهم، وإنما بدافع القرابة، وتظهر جليًّا في المجتمعات الفقيرة؛ من ثقافة احترام القانون، وأداء الواجبات؛ حتى أصبح من الصعب التخلي عنها في كل مطلب في الحياة، والمشكلة الحقيقية في ذلك هي قلة الإدراك لحجم هذه الآفة الخطيرة، وعدم الاستيعاب التام لما تُسببه وتتركه من آثار جسيمة، باعتبارها مضيفةً إلى الواسطة نوعًا من العمى الوِجداني الذي لا يرى الصورة الحقيقية لوضع العدل في مكانه؛ ومنه اكتسبت المحسوبية سُمعتها السيئة،*إضافة إلى سوء استخدامها، فصارت الشر الذي لا يمكن الاستغناء عنه؛ إذ تشربت الشعوب هذه السلوكيات، وانسلخت عن مبدأ الاعتماد على النفس تنظيم أسلوب الحياة، وتنظيم طريقة العيش هي التي تميز مجتمعًا عن غيره، وتعطيه وجهه الصحيح وشخصيته الأصيلة، إذا ما طبعها الطابع الاجتماعي والمشاركة، وهذا ما لا يعكس في مجتمعنا التي تعد محاباة الأقارب والأصدقاء واجبًا، حتى وإن كان فيه مناقضة للمصلحة العامة، وتقديس جلِّ مفاهيم المادية التي أوجدها الإنسان، فآمَن بها واندثرت تحتها القيم الإنسانية العظيمة؛ لنصل إلى أهم عامل مُسهم في ذلك، ألا وهو التربية والتعليم وَفق المنهج الإسلامي لاستخلاص مجتمع مدني واعٍ، ولا يتأتَّى ذلك إلا بالوعي الاجتماعي، وإدراك المبادئ السوية؛ ليكون الحصاد ذاك المجتمع الإنساني المنشود، ونضيف إليه بعض العوامل التي تخص الفرد، وتعود إلى الشخص ذاته من صفات؛ كالأنانية والاتِّكالية، وحب الذات، فينشأ عن ذلك مدُّ الرقاب للصفع، وموت الإحساس، وجهل ذاتية النفس،*وتعطيل المواهب والاستعداد، وعلى قاعدة الاعتماد على النفس يجب أن يؤسس منهاج التعليم، بل يجب أن يشربها الأطفال مع اللبن؛ حتى يشبوا على الهِمة والعزة والشهامة، غير واهين ولا وكِلين، وبالابتعاد عن الأنانية التي تعلم أن الحياة هي لمن يحب ذاته، ويُقدمها ويُفضلها على أي شيء آخر، فالأناني هو حسبهم الشاطر الذي يعرف كيف يعيش، وكيف يقتنص الفرص لحسابه الشخصي، وكيف يربح أكثر، ولو بمنافسة غير شريفة، وكيف يسوق نفسه متعاميًا عن تقييم الآخرين وتقديرهم، والوقاية منها تكون بالتربية وحساب النفس والعمل الجماعي.
وإن تشبع المجتمع من مختلف الآفات التي تجر إحداها الأخرى؛ من محسوبية ومحاباة، وواسطة منبذوة ممارسة في المجتمع الإداري؛ مما يترك آثارًا نفسية عميقة لا تَندمل جراحها في نفوس الموظفين؛ مما يشتِّت فكرهم وذهنهم، ويحد من مردودية إنتاجهم؛ كون أن منهم مَن أحس بالظلم الواقع عليه جراء تقديم مَن هو أقل منهم علمًا وخبرة، وأداء وكفاءة، لا لسبب إلا لتعيينات مبنية على صلات القرابة أو النسب أو المحسوبية.