yasser
04-09-02, 01:00 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الذين دمروا مستقبل 247 معلم حاسوب
إلى كل من يهمه الأمر أوجه هذه الرسالة لعلها تجد أذنا صاغية ...
أنادي فيكم قلوبكم الحية وضمائركم اليقظة...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
-----------------------------------
ها أنا ذا أعود إلى أرض الوطن بعد غياب دام سبعة أشهر، كانت كأنها الدهر كله ، فكان أول همي ساعة هبطت أرضها ، أن أرى أعز أصدقائي ، بعد أن انقطعت اتصالاته ، وحاولت مرارا وتكرارا الاتصال به ، غير أن جدار الصمت كان يقف في وجهي كلما حاولت ذلك ، وذهبت بي الظنون في شأنه كل مذهب ، إلا أن أرتاب في صدقه ووفائه، فذهبت إلى منزله في الساعة الأولى من الليل، فرأيت ما لا تزال حسرته متصلة بقلبي حتى اليوم، تركت هذا المنزل فردوساً صغيراً من فراديس الجنان ، تتراءى فيه السعادة في ألوانها المختلفة ، وتترقرق وجوه ساكنيه بشرا ً وسروراً ، ثم زرته اليوم فخيل إلى أنني أمام مقبرة ساكنة موحشة لا يهتف فيها صوت ولا يتراءى في جوانبها شبح ، ولا يلمع في أرجائها مصباح ، فظننت أني أخطأت المنزل الذي أريده ، أو أنني بين منزل مهجور ، فمشيت إلى الباب ، فطرقته ، فلم يجبني أحد، فطرقته أخرى ، فسمعت خطوات تقترب ، ثم لم يلبث أن انفرج لي عن وجه غلام صغير ، فتأملته على ضوء المصباح ، فرأيت في وجهه صورة أخيه ، فسألته عنه ، فأشار إلي بالدخول ، ومشي أمامي حتى وصل قاعة الضيوف ، وأشار إلي بالجلوس فجلست ، ثم سألته عن سبب تغير أخاه فأخبرني أن أخاه أصبح معلماً لكن مع وقف التنفيذ ، ثم استأذن وذهب، وكم كانت تلك الثواني دهوراً طولية ، انتظرت خلالها أعز أصدقائي ، وفي نفسي من القلق والاضطراب ، ما يكون في نفس الذاهب إلى ميدان سباق قد خاطر فيه بجميع ما يملك ، فهو لا يعلم أيكون بعد الساعة أسعد الناس أم أشقاهم ، سمعت خطوات تقترب وفتح الباب وانكشف عن مشهد لا يزال يأرقني حتى الساعة.
الآن عرفت أن الوجوه مرايا النفوس ، تضيء بضيائها ، وتظلم بظلامها ، فقد فارقت الفتى منذ سبعة أشهر فأنستني الأيام صورته ، ولم يبقى في ذاكرتي منها إلا ذاك الضياء اللامع ، ضياء السعادة والأمل الذي كان يتلألأ فيها تلألأ نور الشمس في صفحتها . فلما رأيته الآن ، ولم أر أمام عيني تلك الغلالة البيضاء التي كنت أعرفها ، خيل إلي أنني أرى صورة غير الصورة الماضية ، ورجلا غير الذي كنت أعرفه من قبل .
لم أرى أمامي ذلك الفتى الجميل الوضاح الذي كان كل منبت شعرة في وجهه فما ضاحكا ، تموج فيه ابتسامة لامعة ، وكان الأمل بالغد الأفضل من أهم صفاته ، والتفاؤل من أهم مميزاته ، بل رأيت مكانه رجلا شقيا منكوبا قد لبس الهرم قبل أوانه ، وأوفى على الخمسين قبل أن ينسلخ من العشرينات ، فاسترخى حاجباه ، وثقلت أجفانه ، وجمدت نظراته ، وتجعد جبينه ، وتهدل عارضاه( خداه) ، واستشرف عاتقاه ، وهوى رأسه بينهما ، وكأن أحزان الأرض قد جثت على صدره ، وهموم الدنيا قد لازمته ، أصبح يعيش بلا أمل بالمستقبل ، ينظر إلى الحياة بعين التشاؤم .
دخل الفتى ، فوقفت ، وساد الصمت بضع لحظات ، لم أعرف ما أقول له ، ولم يعرف هو ما يقول لي، غير أننا تبادلنا نظرات فيها من المعاني ما لا تستطيع أن تقوله الألسن ، غير أنه كان لا بد لأحدنا أن يكسر حاجز الصمت.
فكان أول ما قلت له : لقد تغير فيك كل شيء ، يا صديقي ، حتى صورتك! وكأنما ألم بما في نفسي ، وعلم أني علمت من أمره كل شيء، فأطرق برأسه إطراق من يرى أن باطن الأرض خير له من ظهرها ، ولم يقل شيئاً، فدنوت منه حتى وضعت يدي على عاتقه ، وقلت له :
والله ما أدري ماذا أقول لك ؟ أأعظك ، وقد كنت واعظي بالأمس ، ونجم هداي الذي أستنير به في ظلمات حياتي ؟ أم أرشدك إلى ما أوجب الله عليك في نفسك ؟ ولا أعلم شيئاً أنت تجهله ، ولا تصل يدي إلى عبرة تقصر يدك عن نيلها . أم أسترحمك لنفسك ولأهلك ؟ وأنت صاحب القلب الرحيم الذي كان طالما خفق بالبعداء ، فأحرى أن يخفق رحمة بالأقرباء!
إن هذه الحياة التي تحياها ، يا صديقي ، إنما يلجأ إليها الهمل العاطلون الذين لا يصلحون لعمل من الأعمال ، ليتواروا عن أعين الناس حياء وخجلا حتى يأتيهم الموت ، فينقذهم من عارهم وشقائهم، وما أنت بواحد منهم !
أنك تمشي ، يا صديقي ، في طريق القبر ، وما أنت بناقم على الدنيا ، ولا بمتبرم ( سئم وضجر) بها ، فما رغبتك في الخروج منها خروج اليائس المنتحر ؟!
حسبنا، يا صديقي ، من الشقاء في هذه الحياة ما يأتينا به القدر . فلا نضم إليه شقاء جديداً ، نجلبه بأنفسنا لأنفسنا ، فهات يدك ، وعاهدني على أن تكون اليوم كما كنت بالأمس ، ثم مددت يدي إليه ، فراعني أنه لم يحرك يده ، فقلت له : ما لك لا تمد يدك إلي؟
فاستعبر باكياً وقال : لأنني لا أحب أن أكون كاذباً ولا حانثاً .
فقلت : وما يمنعك من الوفاء ؟
قال: يمنعني منه أنني رجل شقي ، لا حظ لي في سعادة السعداء .
قلت : قد استطعت أن تكون شقياً ، فلم لا تستطيع أن تكون سعيداً؟
قال : لأن السعادة سماء والشقاء أرض . والنزول إلى الأرض أسهل من الصعود إلى السماء ، وقد زلت قدمي عن حافة الهوة ، فلا قدرة لي على الاستمساك ، حتى أبلغ قرارها ، وقد شربت أول جرعة من جرعات الحياة المريرة ، فلا بد لي من أن أشربها حتى ثمالتها( البقية الباقية في قعر الإناء) .
قلت : ليس بينك وبين النزوغ ، إلا عزيمة صادقة تعزمها، فإذا أنت من الناجحين .
قال : أن العزيمة أثر من آثار الإرادة ، وقد أصبحت رجلاً مغلوباً على أمري لا إرادة لي ولا خيار . فدعني يا صديقي ، والقضاء يصنع بي ما يشاء ، وابك صديقك القديم منذ اليوم ، أن كنت لا ترى بأساً في البكاء على فاقدين الإرادة . يا صديقي لو أن الأمر بيدي ، أو أنني قصرت في شيء لما حزنت ، غير أنني منذ خمس سنوات ، سنة في الثانوية العامة ، وأربع سنوات في كلية التربية ، وأنا أعمل بجد واجتهاد من أجل مستقبل أفضل ، ولما أقترب الحصاد وأينعت الثمار ونضجت وحان قطافها ، اكتشفت أنها سراب.
قلت: وهل معنى هذا أنك تيأس وتستسلم .
قال : أنك يا صديقي لست أنا ، ولم تمر بما مررت به ، دعني أقص لك ما حصل لي بالتفصيل ، لعلك تقدر وضعي .
كانت أياماً وأسابيع وأشهر مملوءة بالجد والنشاط والاجتهاد، وليالي لم تعرف فيها عيني سنة من نوم ،وكان لا يراني الرائي إلا ناظراً في كتاب أو كاتباً في دفتر أو أستظهر قطعة أو أعيد درساً، وفي النهاية وصلت إلى آخر الطريق و جنيت ثمر ما زرعت ، وحصلت على أعلى النسب ، كانت تلك أيام الثانوية العامة قبل أربع سنوات .
ولما كانت مهنة التعليم اختياري الأول منذ الصغر قررت الالتحاق بكليات التربية لأصبح معلماً في إحدى مدارس وطني الغالي ، وكان لا بد لي من أن أختار أحد التخصصات ، فاخترت تخصص الحاسوب لأنه تخصص جديد ويطرح للمرة الأولى وبذلك سأكون من الدفعة الأولى ، وكذلك لأن الحاسوب لغة العصر ، وأن تعريف الجاهل سيصبح في المستقبل القريب ( هو الشخص الذي لا يعرف استخدام الحاسوب ) وليس الشخص الذي لا يعرف القراءة والكتابة ، ولأن معلم الحاسوب معلم متميز بين زملائه المعلمين ، وحتى في الحياة العامة والمجتمع ينظر إليه نظرة خاصة ، لكل ذلك وأكثر اخترت تخصص الحاسوب .
ومرت أربع سنوات عانيت فيها من صعوبة المقررات ومرارة الغربى غير أن الأمل بمستقبل أفضل كان يدفعني لمزيد من الجهد والاجتهاد ، وساعة تلو ساعة ويوم تلو يوم مرت أربع سنوات.
وانتظرت التعيين بفارغ الصبر ،وكم كانت تلك الأيام دهوراً ، عشتها ساعة بساعة، عين زملائي في التخصصات الأخرى ، أما نحن تخصص الحاسوب فلا خبر عنا ، وبعد أسبوعين جاء ت النتيجة التي تقول أن من كان معدله 2.76أو أعلى فقد عين أما من هو أقل فلم يعين وعليه الانتظار.
وعندما راجعنا قسم التخطيط بوزارة التربية والتعليم قالوا لنا إنه لا يوجد شاغر وأننا اكتفينا بمئة وثلاثة منكم أما الباقون وهم مائتان وسبعة وأربعون فلا يوجد شاغر لهم ، وعليهم الانتظار إلي السنة القادمة .
سبحان الله !، أولستم أنتم الذين قلتم لوزارة التعليم العالي قبل أربع سنوات من الآن أنكم تتوقعون أنكم ستحتاجون لثلاثمائة وخمسين معلم حاسوب في السنة الدراسية 2002/2003 ، مالكم الآن تتخلون عنا ، ولماذا أرقامكم لا تطابق الواقع ، وإذا فرضنا أنكم أخطئتم ـ والكمال لله ـ فستخطئون في شخص أو شخصين وربما عشرة أو حتى عشرين ، فما بالكم في مائتين وسبعة وأربعون ، يا له من خطأ فادح ، ثم بعد ذلك كله تعدوننا بالسنة القادمة ، حينما تتخرج الدفعة الثانية والتي عددها ليس أقل من الدفعة الأولى فهي في قرابة 350 وإذا جمعنا إليها من لم يتعينوا من الدفعة الحالية فسنحصل على قرابة 600 معلم ، بالله عليكم أيها المخططون إذا لم تستطيعوا أن تعينوا سوى 103 هذه السنة فهل ستستطيعون أن تعينوا 600 في السنة القادمة ؟ وحينها تتعقد الأمور فمن ستعينون هل الدفعة الأولى أم الدفعة الثانية ؟.
يا له من خطأ كبير ارتكبتموه ، والثمن ندفعه نحن ولستم أنتم ، الثمن هو مستقبلنا مستقبل 247 معلم، أيعقل هذا ... يقول تعالى {{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}} الأنعام 164، ترى ما يكون موقفكم لو جعلتم أنفسكم مكاننا ، أو لنقل أنكم خسرتم وظائفكم .هذا هو احترامكم للمعلم ، وما ذنبنا غير أننا اخترنا هذا التخصص.
كانت لي أمال وأحلام وطموحات بغد أفضل ومستقبل مشرق ، معلماً أعلم أطفال بلدي ، ومدرساً أدرس أبناء وطني ، وأكون يداً تبني و ساعداً يعمر ، ولأرد ولو الشيء القليل من فضل عمان الغالية، وأشتري هدية أقدمها لأغلى أم ، وأقول لأبي الغالي : حان الوقت أن تستريح ، أنا سأكمل المسير عنك، وأبني بيتاً أطل من إحدى نوافذه فأطل على سماء وطني ، وأشتري سيارة أطوف بها ربوع بلدي .
أما الآن فلا أمال ولا أحلام ولا طموحات ، فقد أنهدم قصر طموحات الأشم لأنني اكتشفت أن أساسه قد اختفى ،فأصبحت كالذي يسير في طريق يعتقد أن في نهايته جنة خضراء ملتفة الأشجار مترادفة الأغصان ، فيها من الأزهار ما شاء الله ، ومن الأنهار الكثير، فإذا بي أجد نفسي في صحراء قاحلة لا أشجار فيها ولا أنهار و لا شيء يدل على الحياة ، ولا حتى سحابة صغيرة في الأفق البعيد تبشر بخير.
والآن أصبحا عالة ليس على نفسنا وأسرنا فقط بل على مجتمعنا ووطننا أيضاً ، وأصبحنا أشخاصاً تعساء وأشقياء وأصبنا بإحدى النكبات العظام والرزايا الجسام ، وأصبحنا نظن أن باطن الأرض خير لنا من ظهرها .
غير أننا لم نستسلم وذهبنا لمقبلة العديد من المسئولين ، موظفين في كل من وزارة التربية والتعليم ، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الخدمة المدنية ، ووزارة المالية ، ومدراء عموم ، ووكلاء ، كما قابلنا سعادة وزير التربية والتعليم .
وخلاصة المقابلات أنه لا توجد وظائف شاعرة ، ولكن الأمر قيد الدراسة الجادة ، وكل ما علينا هو الانتظار.
هذا غير الاتصالات الهاتفية والرسائل. والكل يعدنا بالخير .
التكمله في الموضوع الثاني لئن المنتدا محدد طول الرساله ألف
الذين دمروا مستقبل 247 معلم حاسوب
إلى كل من يهمه الأمر أوجه هذه الرسالة لعلها تجد أذنا صاغية ...
أنادي فيكم قلوبكم الحية وضمائركم اليقظة...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،،،
-----------------------------------
ها أنا ذا أعود إلى أرض الوطن بعد غياب دام سبعة أشهر، كانت كأنها الدهر كله ، فكان أول همي ساعة هبطت أرضها ، أن أرى أعز أصدقائي ، بعد أن انقطعت اتصالاته ، وحاولت مرارا وتكرارا الاتصال به ، غير أن جدار الصمت كان يقف في وجهي كلما حاولت ذلك ، وذهبت بي الظنون في شأنه كل مذهب ، إلا أن أرتاب في صدقه ووفائه، فذهبت إلى منزله في الساعة الأولى من الليل، فرأيت ما لا تزال حسرته متصلة بقلبي حتى اليوم، تركت هذا المنزل فردوساً صغيراً من فراديس الجنان ، تتراءى فيه السعادة في ألوانها المختلفة ، وتترقرق وجوه ساكنيه بشرا ً وسروراً ، ثم زرته اليوم فخيل إلى أنني أمام مقبرة ساكنة موحشة لا يهتف فيها صوت ولا يتراءى في جوانبها شبح ، ولا يلمع في أرجائها مصباح ، فظننت أني أخطأت المنزل الذي أريده ، أو أنني بين منزل مهجور ، فمشيت إلى الباب ، فطرقته ، فلم يجبني أحد، فطرقته أخرى ، فسمعت خطوات تقترب ، ثم لم يلبث أن انفرج لي عن وجه غلام صغير ، فتأملته على ضوء المصباح ، فرأيت في وجهه صورة أخيه ، فسألته عنه ، فأشار إلي بالدخول ، ومشي أمامي حتى وصل قاعة الضيوف ، وأشار إلي بالجلوس فجلست ، ثم سألته عن سبب تغير أخاه فأخبرني أن أخاه أصبح معلماً لكن مع وقف التنفيذ ، ثم استأذن وذهب، وكم كانت تلك الثواني دهوراً طولية ، انتظرت خلالها أعز أصدقائي ، وفي نفسي من القلق والاضطراب ، ما يكون في نفس الذاهب إلى ميدان سباق قد خاطر فيه بجميع ما يملك ، فهو لا يعلم أيكون بعد الساعة أسعد الناس أم أشقاهم ، سمعت خطوات تقترب وفتح الباب وانكشف عن مشهد لا يزال يأرقني حتى الساعة.
الآن عرفت أن الوجوه مرايا النفوس ، تضيء بضيائها ، وتظلم بظلامها ، فقد فارقت الفتى منذ سبعة أشهر فأنستني الأيام صورته ، ولم يبقى في ذاكرتي منها إلا ذاك الضياء اللامع ، ضياء السعادة والأمل الذي كان يتلألأ فيها تلألأ نور الشمس في صفحتها . فلما رأيته الآن ، ولم أر أمام عيني تلك الغلالة البيضاء التي كنت أعرفها ، خيل إلي أنني أرى صورة غير الصورة الماضية ، ورجلا غير الذي كنت أعرفه من قبل .
لم أرى أمامي ذلك الفتى الجميل الوضاح الذي كان كل منبت شعرة في وجهه فما ضاحكا ، تموج فيه ابتسامة لامعة ، وكان الأمل بالغد الأفضل من أهم صفاته ، والتفاؤل من أهم مميزاته ، بل رأيت مكانه رجلا شقيا منكوبا قد لبس الهرم قبل أوانه ، وأوفى على الخمسين قبل أن ينسلخ من العشرينات ، فاسترخى حاجباه ، وثقلت أجفانه ، وجمدت نظراته ، وتجعد جبينه ، وتهدل عارضاه( خداه) ، واستشرف عاتقاه ، وهوى رأسه بينهما ، وكأن أحزان الأرض قد جثت على صدره ، وهموم الدنيا قد لازمته ، أصبح يعيش بلا أمل بالمستقبل ، ينظر إلى الحياة بعين التشاؤم .
دخل الفتى ، فوقفت ، وساد الصمت بضع لحظات ، لم أعرف ما أقول له ، ولم يعرف هو ما يقول لي، غير أننا تبادلنا نظرات فيها من المعاني ما لا تستطيع أن تقوله الألسن ، غير أنه كان لا بد لأحدنا أن يكسر حاجز الصمت.
فكان أول ما قلت له : لقد تغير فيك كل شيء ، يا صديقي ، حتى صورتك! وكأنما ألم بما في نفسي ، وعلم أني علمت من أمره كل شيء، فأطرق برأسه إطراق من يرى أن باطن الأرض خير له من ظهرها ، ولم يقل شيئاً، فدنوت منه حتى وضعت يدي على عاتقه ، وقلت له :
والله ما أدري ماذا أقول لك ؟ أأعظك ، وقد كنت واعظي بالأمس ، ونجم هداي الذي أستنير به في ظلمات حياتي ؟ أم أرشدك إلى ما أوجب الله عليك في نفسك ؟ ولا أعلم شيئاً أنت تجهله ، ولا تصل يدي إلى عبرة تقصر يدك عن نيلها . أم أسترحمك لنفسك ولأهلك ؟ وأنت صاحب القلب الرحيم الذي كان طالما خفق بالبعداء ، فأحرى أن يخفق رحمة بالأقرباء!
إن هذه الحياة التي تحياها ، يا صديقي ، إنما يلجأ إليها الهمل العاطلون الذين لا يصلحون لعمل من الأعمال ، ليتواروا عن أعين الناس حياء وخجلا حتى يأتيهم الموت ، فينقذهم من عارهم وشقائهم، وما أنت بواحد منهم !
أنك تمشي ، يا صديقي ، في طريق القبر ، وما أنت بناقم على الدنيا ، ولا بمتبرم ( سئم وضجر) بها ، فما رغبتك في الخروج منها خروج اليائس المنتحر ؟!
حسبنا، يا صديقي ، من الشقاء في هذه الحياة ما يأتينا به القدر . فلا نضم إليه شقاء جديداً ، نجلبه بأنفسنا لأنفسنا ، فهات يدك ، وعاهدني على أن تكون اليوم كما كنت بالأمس ، ثم مددت يدي إليه ، فراعني أنه لم يحرك يده ، فقلت له : ما لك لا تمد يدك إلي؟
فاستعبر باكياً وقال : لأنني لا أحب أن أكون كاذباً ولا حانثاً .
فقلت : وما يمنعك من الوفاء ؟
قال: يمنعني منه أنني رجل شقي ، لا حظ لي في سعادة السعداء .
قلت : قد استطعت أن تكون شقياً ، فلم لا تستطيع أن تكون سعيداً؟
قال : لأن السعادة سماء والشقاء أرض . والنزول إلى الأرض أسهل من الصعود إلى السماء ، وقد زلت قدمي عن حافة الهوة ، فلا قدرة لي على الاستمساك ، حتى أبلغ قرارها ، وقد شربت أول جرعة من جرعات الحياة المريرة ، فلا بد لي من أن أشربها حتى ثمالتها( البقية الباقية في قعر الإناء) .
قلت : ليس بينك وبين النزوغ ، إلا عزيمة صادقة تعزمها، فإذا أنت من الناجحين .
قال : أن العزيمة أثر من آثار الإرادة ، وقد أصبحت رجلاً مغلوباً على أمري لا إرادة لي ولا خيار . فدعني يا صديقي ، والقضاء يصنع بي ما يشاء ، وابك صديقك القديم منذ اليوم ، أن كنت لا ترى بأساً في البكاء على فاقدين الإرادة . يا صديقي لو أن الأمر بيدي ، أو أنني قصرت في شيء لما حزنت ، غير أنني منذ خمس سنوات ، سنة في الثانوية العامة ، وأربع سنوات في كلية التربية ، وأنا أعمل بجد واجتهاد من أجل مستقبل أفضل ، ولما أقترب الحصاد وأينعت الثمار ونضجت وحان قطافها ، اكتشفت أنها سراب.
قلت: وهل معنى هذا أنك تيأس وتستسلم .
قال : أنك يا صديقي لست أنا ، ولم تمر بما مررت به ، دعني أقص لك ما حصل لي بالتفصيل ، لعلك تقدر وضعي .
كانت أياماً وأسابيع وأشهر مملوءة بالجد والنشاط والاجتهاد، وليالي لم تعرف فيها عيني سنة من نوم ،وكان لا يراني الرائي إلا ناظراً في كتاب أو كاتباً في دفتر أو أستظهر قطعة أو أعيد درساً، وفي النهاية وصلت إلى آخر الطريق و جنيت ثمر ما زرعت ، وحصلت على أعلى النسب ، كانت تلك أيام الثانوية العامة قبل أربع سنوات .
ولما كانت مهنة التعليم اختياري الأول منذ الصغر قررت الالتحاق بكليات التربية لأصبح معلماً في إحدى مدارس وطني الغالي ، وكان لا بد لي من أن أختار أحد التخصصات ، فاخترت تخصص الحاسوب لأنه تخصص جديد ويطرح للمرة الأولى وبذلك سأكون من الدفعة الأولى ، وكذلك لأن الحاسوب لغة العصر ، وأن تعريف الجاهل سيصبح في المستقبل القريب ( هو الشخص الذي لا يعرف استخدام الحاسوب ) وليس الشخص الذي لا يعرف القراءة والكتابة ، ولأن معلم الحاسوب معلم متميز بين زملائه المعلمين ، وحتى في الحياة العامة والمجتمع ينظر إليه نظرة خاصة ، لكل ذلك وأكثر اخترت تخصص الحاسوب .
ومرت أربع سنوات عانيت فيها من صعوبة المقررات ومرارة الغربى غير أن الأمل بمستقبل أفضل كان يدفعني لمزيد من الجهد والاجتهاد ، وساعة تلو ساعة ويوم تلو يوم مرت أربع سنوات.
وانتظرت التعيين بفارغ الصبر ،وكم كانت تلك الأيام دهوراً ، عشتها ساعة بساعة، عين زملائي في التخصصات الأخرى ، أما نحن تخصص الحاسوب فلا خبر عنا ، وبعد أسبوعين جاء ت النتيجة التي تقول أن من كان معدله 2.76أو أعلى فقد عين أما من هو أقل فلم يعين وعليه الانتظار.
وعندما راجعنا قسم التخطيط بوزارة التربية والتعليم قالوا لنا إنه لا يوجد شاغر وأننا اكتفينا بمئة وثلاثة منكم أما الباقون وهم مائتان وسبعة وأربعون فلا يوجد شاغر لهم ، وعليهم الانتظار إلي السنة القادمة .
سبحان الله !، أولستم أنتم الذين قلتم لوزارة التعليم العالي قبل أربع سنوات من الآن أنكم تتوقعون أنكم ستحتاجون لثلاثمائة وخمسين معلم حاسوب في السنة الدراسية 2002/2003 ، مالكم الآن تتخلون عنا ، ولماذا أرقامكم لا تطابق الواقع ، وإذا فرضنا أنكم أخطئتم ـ والكمال لله ـ فستخطئون في شخص أو شخصين وربما عشرة أو حتى عشرين ، فما بالكم في مائتين وسبعة وأربعون ، يا له من خطأ فادح ، ثم بعد ذلك كله تعدوننا بالسنة القادمة ، حينما تتخرج الدفعة الثانية والتي عددها ليس أقل من الدفعة الأولى فهي في قرابة 350 وإذا جمعنا إليها من لم يتعينوا من الدفعة الحالية فسنحصل على قرابة 600 معلم ، بالله عليكم أيها المخططون إذا لم تستطيعوا أن تعينوا سوى 103 هذه السنة فهل ستستطيعون أن تعينوا 600 في السنة القادمة ؟ وحينها تتعقد الأمور فمن ستعينون هل الدفعة الأولى أم الدفعة الثانية ؟.
يا له من خطأ كبير ارتكبتموه ، والثمن ندفعه نحن ولستم أنتم ، الثمن هو مستقبلنا مستقبل 247 معلم، أيعقل هذا ... يقول تعالى {{ وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}} الأنعام 164، ترى ما يكون موقفكم لو جعلتم أنفسكم مكاننا ، أو لنقل أنكم خسرتم وظائفكم .هذا هو احترامكم للمعلم ، وما ذنبنا غير أننا اخترنا هذا التخصص.
كانت لي أمال وأحلام وطموحات بغد أفضل ومستقبل مشرق ، معلماً أعلم أطفال بلدي ، ومدرساً أدرس أبناء وطني ، وأكون يداً تبني و ساعداً يعمر ، ولأرد ولو الشيء القليل من فضل عمان الغالية، وأشتري هدية أقدمها لأغلى أم ، وأقول لأبي الغالي : حان الوقت أن تستريح ، أنا سأكمل المسير عنك، وأبني بيتاً أطل من إحدى نوافذه فأطل على سماء وطني ، وأشتري سيارة أطوف بها ربوع بلدي .
أما الآن فلا أمال ولا أحلام ولا طموحات ، فقد أنهدم قصر طموحات الأشم لأنني اكتشفت أن أساسه قد اختفى ،فأصبحت كالذي يسير في طريق يعتقد أن في نهايته جنة خضراء ملتفة الأشجار مترادفة الأغصان ، فيها من الأزهار ما شاء الله ، ومن الأنهار الكثير، فإذا بي أجد نفسي في صحراء قاحلة لا أشجار فيها ولا أنهار و لا شيء يدل على الحياة ، ولا حتى سحابة صغيرة في الأفق البعيد تبشر بخير.
والآن أصبحا عالة ليس على نفسنا وأسرنا فقط بل على مجتمعنا ووطننا أيضاً ، وأصبحنا أشخاصاً تعساء وأشقياء وأصبنا بإحدى النكبات العظام والرزايا الجسام ، وأصبحنا نظن أن باطن الأرض خير لنا من ظهرها .
غير أننا لم نستسلم وذهبنا لمقبلة العديد من المسئولين ، موظفين في كل من وزارة التربية والتعليم ، ووزارة التعليم العالي، ووزارة الخدمة المدنية ، ووزارة المالية ، ومدراء عموم ، ووكلاء ، كما قابلنا سعادة وزير التربية والتعليم .
وخلاصة المقابلات أنه لا توجد وظائف شاعرة ، ولكن الأمر قيد الدراسة الجادة ، وكل ما علينا هو الانتظار.
هذا غير الاتصالات الهاتفية والرسائل. والكل يعدنا بالخير .
التكمله في الموضوع الثاني لئن المنتدا محدد طول الرساله ألف