Abdulmajeed
30-08-02, 10:02 AM
الفصل الأول
نبذة تاريخية عن الخوارج ( 1 ) ، ونشأة الإباضيّة ( 2 )
لقد كان المسلمون في العقود الأولى مستمسكين بحبل الله المتين وبسنة سيّد المرسلين ، لا يضلّون لوجود رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرهم ، يأمرهم بالمعروف ويحثّهم عليه، وينهاهم عن المنكر ويحذّرهم منه ، حتى انتقل صلى الله عليه و سلم ـ بأبي هو وأمي ـ إلى الرفيق الأعلى وكاد المسلمون أن يفتتنوا في دينهم ؛ بل افتتن بعضهم وارتدّ عن الإسلام ، فأمسك بزمام الأمة الغرّاء الصدّيق أبوبكر رضي الله عنه حينما آلت إليه الخلافة الراشدة ، ووقف موقف الفارس الشجاع أمام كتائب المرتدّين ، فأعاد بعضهم إلى حظيرة الإسلام ، وبعضهم من قتل مرتداً كافراً والعياذ بالله .
ولما دنا أجله رضي الله عنه وأرضاه ؛ استخلف أبا حفص عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فساس الأمة سياسةً عجيبة ، وامتدت الفتوحات في عهده إلى أقاصي المعمورة ، ومازال الإسلام في ذلك العقد في منعةٍ وعزّةٍ وقوةٍ ، ولم تجد الفتنة لنفسها متنفّساً ، حتى انكسر قفل الفتنة بمقتله رضي الله عنه على يد علجٍ مجوسي كافر ؛ لا رحم الله فيه مغرز إبرة .
ثم اجتمع المسلمون ؛ فكان المجلس الأول للشورى في تاريخ الإسلام ، وعُقدت البيعة لذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه بإجماع الأمة ، فكان ما كان في عهده ، فقُتل رضي الله عنه وأرضاه مظلوماً ، والذي أدار رحى تلك الفتنة ابنُ السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي عليه لعائن الله .
وكانت تلك الفترة هي بداية ظهور الخوارج المارقين ، والذين أخبر عنهم المصطفى صلى الله عليه و سلم في الأحاديث الصحيحة .
قال صلى الله عليه و سلم : ( سيخرج قومٌ في آخر الزمان أحداث الأسنان ، سُفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البريّة [ وفي رواية : يقرأون القرآن ] لا يُجاوز إيمانُهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة ) ( 3 ) .
وقد سُمّوا بذلك لأنهم يخرجون على أئمة المسلمين ( 4 ) ، وعلى جماعتهم بالاعتقاد والسيف ، وقبل الولوج في خضمّ الموضوع نريد أن نعرف من هم الخوارج ؟
الخوارج جمع خارج ، وخارجي اسم مشتق من الخروج .
والخروج في اللغة : ضدّ الدخول ( 5 ) ، كما أنه يأتي على ضدّ القعود في الحرب ( 6 ) ، ويأتي أيضاً بمعنى : خروج السحابة ؛ يقال : ما أحسن خروجها ، وفلان خريج فلانٍ ، إذا كان يتعلّم منه ؛ كأنه هو الذي أخرجه من حدّ الجهل ( 7 ) ، وقد ورد الخروج في القرآن الكريم بمعنى الجهاد ، قال تعالى : { وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَ عَدُّوا لَهُ عُدَّةً ..} [التوبة : 46] ، ويطلق أيضاً على ما يقابل الجهاد ، وهو ما ذكر الله تعالى في شأن المنافقين القاعدين { فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ }[ التوبة: 87] .
هذه بعض معاني الخروج في اللغة .
أما ( الخوارج ) في اللغة : فقد جاءت بمعنى البروزات في البناء ، قال الفيومي : (هي الطاقات والمحاريب في الجدار من باطنه والدواخل الصور والكتابة في الحائط بجص أو غيره ، ويقال : الدواخل والخوارج : ماخرج من أشكال البناء مخالفاً لأشكال ناحيته ، وذلك تحسين وتزيين ) ( 8 ) .
وأطلقت ـ في اللغة ـ على طائفة من أهل الأهواء والبدع ، قال الأزهري : ( والخوارج : قوم من أهل الأهواء لهم مقالة على حدة ) ( 9 ) . وقال الزبيدي : ( وهم الحروريّة ، والخارجيّة طائفة منهم ، وهم سبع طوائف ، سموا به لخروجهم على الناس ، أو عن الدين ، أو عن الحق ، أو عن علي كرّم الله ( 10 ) وجهه بعد صفين ) ( 11 ) .
أما في الاصطلاح :-
فقد ركّز الإمام الشهرستاني في تعريف الخوارج إلى الناحية السياسية ، حيث اعتبر أن كلّ من خرج على الإمام المجمع عليه عند المسلمين ؛ فهو خارجي ، سواء أكان الخارج من أهل العقود الأولى أو من المتأخّرين . قال رحمه الله : ( كل من خرج على الإمام الحق الذي اتّفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً ، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين ، أو كان بعدهم على التابعين بإحسان ، والأئمة في كل زمان ) ( 12 ) .
أما أبو الحسن الأشعري فجنح في تعريفهم إلى ما اشتهروا به ؛ وهو خروجهم على عليٍ رضي الله عنه ، كما أنه يرى أنّ ذلك الخروج هو سبب تسميتهم بذلك ، فيقول رحمه الله : ( والسبب الذي سمّوا له خوارج ؛ خروجهم على علي بن أبي طالب ) ( 13 ) .
وقد جمع الإمام ابن حزم الظاهري في تعريفهم ، بأن كل من أشبه الخارجين على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ووافقهم في معتقداتهم وآرائهم فإنه منهم . قال رحمه الله : ( ومن وافق الخوارج من إنكار التحكيم ، وتكفير أصحاب الكبائر ، والقول بالخروج على أئمة الجور ، وأن أصحاب الكبائر مخلّدون في النار ، وأن الإمامة جائزة في غير قريش ؛ فهو خارجي ) ( 14 ) .
ويعلّق الإباضيّون في تعريفهم للخوارج : بنافع بن الأزرق والذين يتبرّأون منه كما تبرّأ منه من قبل عبدالله بن أباض . قال أبو يعقوب الورجلاني : وزلّة الخوارج نافع بن الأزرق ، وذويه حين تأوّلوا قول الله في { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } [الأنعام : 121] ( 15 ) .
ويقول الإباضي المعاصر علي يحي معمر : ( يرى الإباضيّة أن إطلاق كلمة الخوارج على فرقة من فرق الإسلام لا يلاحظ فيه المعنى السياسي الثوري ، سواء كانت هذه الثورة لأسباب شرعيّة عندهم أو لأسباب غير شرعيّة ، ولذلك فهم لم يطلقوا هذه الكلمة على قتلة عثمان ، ولا على طلحة والزبير وأتباعهما ، ولا على معاوية وجيشة ، ولا على ابن فندين والذين أنكروا معه أمامه عبدالوهاب الرستمي ، وإنما كل ما يلاحظونه إنما هو المعنى الديني الذي يتضمّنه حديث المروق والخروج عن الإسلام يكون : إما بإنكار الثابت القطعي من أحكامه ، أو بالعمل بما يخالف المقطوع به من نصوص أحكام الإسلام ديانةً ، فيكون هذا العمل في قوّة الإنكار والرد ، وأقرب الفرق الإسلاميّة إلى هذا المعنى هم الأزارقة ومن ذهب من مذهبهم ممن يستحلّ دماء المسلمين وأموالهم ، وسبي نسائهم وأطفالهم ) (16).
أسماء الخوارج وألقابهم
-1 الخوارج :
وهو أشهر أسمائهم وأكثرها استعمالاً حتى إن هذا الاسم ليكاد أن يخفي عنهم بقيّة أسمائهم وألقابهم ، كما أنه اسمٌ يحتمل أن يكون مدحاً ، قال تعالى : { وَمَنْ يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ في الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعة وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله }[ النساء : 100] فهي تسمية مدحٍ كما تراها في هذه الآية الكريمة .
وأما إذا أخذت التسمية بمعنى الخروج على علي بن أبي طالب وغيره من الأئمة ، او الخروج عن جماعة المسلمين ؛ لكانت التسمية ذماً عليهم ، وأما إنكار الخوارج لهذه المعاني إنما هي باعتبار أنهم مخطئون فيها ، وإلاّ فإن الخوارج يعتبرون الخروج على الأئمة أو على الناس أو على علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت حقاً بل ديناً عليهم .
وبالنظر في كتبهم ومقالاتهم فإننا نجدهم يطلقونها على أنفسهم على سبيل المدح والفخر ، وهذا مسطّر في بعض كتبهم ومصنّفاتهم قديماً وحديثاً ، قال أحد شعرائهم :-
أألفــــــــا مؤمنٍ فيما زعمتم ويهزمــهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ولكن الخوارج مؤمنونــا ( 17 )
وينكر متأخّروا الإباضيّة نسبتهم إلى الخوراج ، وسيأتي الكلام عليه في الفصل الثاني إن شاء الله .
2- الحروريّة :
وهي نسبةٌ إلى قرية بظاهر الكوفة ، نزل بها الخوارج الذي خالفوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( 18 )
قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله : ( والذي سموا له حرورية نزولهم بحروراء في أوّل أمرهم ) ( 19 ) .
وقد انقسم الخوارج إلى فرقٍ متعددة منها :
1-المحكّمة : ارقوا علياً وجماعة المسلمين بسبب مسألة التحكيم ، وذلك لأنهم زعموا أن علياً حكّم الرجال ولم يحكّم القرآن فقالوا : لا حُكم إلاّ لله ، وقد خصمهم عبدالله بن عباس رضي الله عنه في المناظرة المعروفة ، مع أن البعض منهم في العصر الحاضر يعكسون القضية فيقولون : إن ابن عباس رضي الله عنه هو الذي خُصِم في مناظرته معهم ( 20 ) ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ ذكر المناظرة وصحّتها .
ولعلّ هذه الفرقة هي النواة الأولى في ظهور الخوارج وبروزهم .
يذكر الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تاريخه : ( أن علياً لما أراد أن يبعث أباموسى للحكومة ، أتاه رجلان من الخوارج : زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي ، فدخلا عليه فقالا له : لا حكم إلاّ لله . فقال علي : لا حكم إلاّ لله . فقال له حرقوص : تب من خطيئتك ، وارجع عن قضيّتك ، واخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتى نلقى ربنا . فقال لهم علي : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبينهم كتاباً ، وشرطنا شروطاً وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا ، وقد قال الله عزّوجل : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون } [ النحل : 91] . فقال له حرقوص : ذلك ينبغي أن تتوب منه . فقال علي : ماهو ذنب ، ولكنه عجز من الرأي ، وضعف من الفعل ، وقد تقدّمت إليكم فيما كان منه ، ونهيتكم عنه . فقال له زرعة بن البرج : أما والله ياعلي ، لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله عز وجل قاتلتك ، أطلب بذلك وجه الله ورضوانه . فقال له علي : بؤساً لك ، ما أشقاك ، كأني بك قتيلاً تسفي عليك الريح . قال : وددت أن قد كان ذلك . فقال له علي : لو كنت محقاً كان في الموت تعزية عن الدنيا ، إن الشيطان قد استهواكم ، فاتقوا الله عزوجل ، إنه لا خير لكم في دنيا تقاتلون عليها ، فخرجا من عنده يحكمان .
ثم إن علياً خرج ذات يوم يخطب ، فإنه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد ، فقال علي : الله أكبر ، كلمة حق يراد بها باطل ) ( 21 ) .
2- الحروريّة : وهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه وأصحابه ، وانحازوا إلى مكان يقال له حروراء بالعراق ، ومنه قول عائشة رضي الله عنها ( أحروريّة أنت ؟ ) .
3- الشراة : وهم الذين زعموا أنهم يشرون أنفسهم ابتغاة مرضاة الله كما في قوله تعالى : { إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُم وَ أَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّة ...الآية}[التوبة : 111] .
4- الأزارقة : وزعيمها نافع بن الأزرق ( 22 .(
5- النجدات : نُسبت إلى زعيمها : نجدة بن عامر .
6- الحفصية : وزعيمهم حفص بن أبي المقدام ، وله أقوال تخرجه عن الإسلام ، كإنكار النبوة ، وإنكار الجنة والنار ، واستحلال كثيرٍ من المحرّمات ( 23 ) .
7- الإباضية : نسبة إلى عبدالله بن إباض على المشهور .
وللموضوع بقية ..
وتحياتي عبد المجيد الكلباني
نبذة تاريخية عن الخوارج ( 1 ) ، ونشأة الإباضيّة ( 2 )
لقد كان المسلمون في العقود الأولى مستمسكين بحبل الله المتين وبسنة سيّد المرسلين ، لا يضلّون لوجود رسول الله صلى الله عليه و سلم بين أظهرهم ، يأمرهم بالمعروف ويحثّهم عليه، وينهاهم عن المنكر ويحذّرهم منه ، حتى انتقل صلى الله عليه و سلم ـ بأبي هو وأمي ـ إلى الرفيق الأعلى وكاد المسلمون أن يفتتنوا في دينهم ؛ بل افتتن بعضهم وارتدّ عن الإسلام ، فأمسك بزمام الأمة الغرّاء الصدّيق أبوبكر رضي الله عنه حينما آلت إليه الخلافة الراشدة ، ووقف موقف الفارس الشجاع أمام كتائب المرتدّين ، فأعاد بعضهم إلى حظيرة الإسلام ، وبعضهم من قتل مرتداً كافراً والعياذ بالله .
ولما دنا أجله رضي الله عنه وأرضاه ؛ استخلف أبا حفص عمر بن الخطّاب رضي الله عنه فساس الأمة سياسةً عجيبة ، وامتدت الفتوحات في عهده إلى أقاصي المعمورة ، ومازال الإسلام في ذلك العقد في منعةٍ وعزّةٍ وقوةٍ ، ولم تجد الفتنة لنفسها متنفّساً ، حتى انكسر قفل الفتنة بمقتله رضي الله عنه على يد علجٍ مجوسي كافر ؛ لا رحم الله فيه مغرز إبرة .
ثم اجتمع المسلمون ؛ فكان المجلس الأول للشورى في تاريخ الإسلام ، وعُقدت البيعة لذي النورين عثمان بن عفان رضي الله عنه بإجماع الأمة ، فكان ما كان في عهده ، فقُتل رضي الله عنه وأرضاه مظلوماً ، والذي أدار رحى تلك الفتنة ابنُ السوداء عبدالله بن سبأ اليهودي عليه لعائن الله .
وكانت تلك الفترة هي بداية ظهور الخوارج المارقين ، والذين أخبر عنهم المصطفى صلى الله عليه و سلم في الأحاديث الصحيحة .
قال صلى الله عليه و سلم : ( سيخرج قومٌ في آخر الزمان أحداث الأسنان ، سُفهاء الأحلام ، يقولون من خير قول البريّة [ وفي رواية : يقرأون القرآن ] لا يُجاوز إيمانُهم حناجرهم ، يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرميّة ، فأينما لقيتموهم فاقتلوهم ، فإن في قتلهم أجراً لمن قتلهم يوم القيامة ) ( 3 ) .
وقد سُمّوا بذلك لأنهم يخرجون على أئمة المسلمين ( 4 ) ، وعلى جماعتهم بالاعتقاد والسيف ، وقبل الولوج في خضمّ الموضوع نريد أن نعرف من هم الخوارج ؟
الخوارج جمع خارج ، وخارجي اسم مشتق من الخروج .
والخروج في اللغة : ضدّ الدخول ( 5 ) ، كما أنه يأتي على ضدّ القعود في الحرب ( 6 ) ، ويأتي أيضاً بمعنى : خروج السحابة ؛ يقال : ما أحسن خروجها ، وفلان خريج فلانٍ ، إذا كان يتعلّم منه ؛ كأنه هو الذي أخرجه من حدّ الجهل ( 7 ) ، وقد ورد الخروج في القرآن الكريم بمعنى الجهاد ، قال تعالى : { وَلَوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لأَ عَدُّوا لَهُ عُدَّةً ..} [التوبة : 46] ، ويطلق أيضاً على ما يقابل الجهاد ، وهو ما ذكر الله تعالى في شأن المنافقين القاعدين { فَرِحَ المُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللهِ }[ التوبة: 87] .
هذه بعض معاني الخروج في اللغة .
أما ( الخوارج ) في اللغة : فقد جاءت بمعنى البروزات في البناء ، قال الفيومي : (هي الطاقات والمحاريب في الجدار من باطنه والدواخل الصور والكتابة في الحائط بجص أو غيره ، ويقال : الدواخل والخوارج : ماخرج من أشكال البناء مخالفاً لأشكال ناحيته ، وذلك تحسين وتزيين ) ( 8 ) .
وأطلقت ـ في اللغة ـ على طائفة من أهل الأهواء والبدع ، قال الأزهري : ( والخوارج : قوم من أهل الأهواء لهم مقالة على حدة ) ( 9 ) . وقال الزبيدي : ( وهم الحروريّة ، والخارجيّة طائفة منهم ، وهم سبع طوائف ، سموا به لخروجهم على الناس ، أو عن الدين ، أو عن الحق ، أو عن علي كرّم الله ( 10 ) وجهه بعد صفين ) ( 11 ) .
أما في الاصطلاح :-
فقد ركّز الإمام الشهرستاني في تعريف الخوارج إلى الناحية السياسية ، حيث اعتبر أن كلّ من خرج على الإمام المجمع عليه عند المسلمين ؛ فهو خارجي ، سواء أكان الخارج من أهل العقود الأولى أو من المتأخّرين . قال رحمه الله : ( كل من خرج على الإمام الحق الذي اتّفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً ، سواء كان الخروج في أيام الصحابة على الأئمة الراشدين ، أو كان بعدهم على التابعين بإحسان ، والأئمة في كل زمان ) ( 12 ) .
أما أبو الحسن الأشعري فجنح في تعريفهم إلى ما اشتهروا به ؛ وهو خروجهم على عليٍ رضي الله عنه ، كما أنه يرى أنّ ذلك الخروج هو سبب تسميتهم بذلك ، فيقول رحمه الله : ( والسبب الذي سمّوا له خوارج ؛ خروجهم على علي بن أبي طالب ) ( 13 ) .
وقد جمع الإمام ابن حزم الظاهري في تعريفهم ، بأن كل من أشبه الخارجين على علي بن أبي طالب رضي الله عنه ووافقهم في معتقداتهم وآرائهم فإنه منهم . قال رحمه الله : ( ومن وافق الخوارج من إنكار التحكيم ، وتكفير أصحاب الكبائر ، والقول بالخروج على أئمة الجور ، وأن أصحاب الكبائر مخلّدون في النار ، وأن الإمامة جائزة في غير قريش ؛ فهو خارجي ) ( 14 ) .
ويعلّق الإباضيّون في تعريفهم للخوارج : بنافع بن الأزرق والذين يتبرّأون منه كما تبرّأ منه من قبل عبدالله بن أباض . قال أبو يعقوب الورجلاني : وزلّة الخوارج نافع بن الأزرق ، وذويه حين تأوّلوا قول الله في { وإن أطعتموهم إنكم لمشركون } [الأنعام : 121] ( 15 ) .
ويقول الإباضي المعاصر علي يحي معمر : ( يرى الإباضيّة أن إطلاق كلمة الخوارج على فرقة من فرق الإسلام لا يلاحظ فيه المعنى السياسي الثوري ، سواء كانت هذه الثورة لأسباب شرعيّة عندهم أو لأسباب غير شرعيّة ، ولذلك فهم لم يطلقوا هذه الكلمة على قتلة عثمان ، ولا على طلحة والزبير وأتباعهما ، ولا على معاوية وجيشة ، ولا على ابن فندين والذين أنكروا معه أمامه عبدالوهاب الرستمي ، وإنما كل ما يلاحظونه إنما هو المعنى الديني الذي يتضمّنه حديث المروق والخروج عن الإسلام يكون : إما بإنكار الثابت القطعي من أحكامه ، أو بالعمل بما يخالف المقطوع به من نصوص أحكام الإسلام ديانةً ، فيكون هذا العمل في قوّة الإنكار والرد ، وأقرب الفرق الإسلاميّة إلى هذا المعنى هم الأزارقة ومن ذهب من مذهبهم ممن يستحلّ دماء المسلمين وأموالهم ، وسبي نسائهم وأطفالهم ) (16).
أسماء الخوارج وألقابهم
-1 الخوارج :
وهو أشهر أسمائهم وأكثرها استعمالاً حتى إن هذا الاسم ليكاد أن يخفي عنهم بقيّة أسمائهم وألقابهم ، كما أنه اسمٌ يحتمل أن يكون مدحاً ، قال تعالى : { وَمَنْ يُهَاجِرْ في سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ في الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعة وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ المَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى الله }[ النساء : 100] فهي تسمية مدحٍ كما تراها في هذه الآية الكريمة .
وأما إذا أخذت التسمية بمعنى الخروج على علي بن أبي طالب وغيره من الأئمة ، او الخروج عن جماعة المسلمين ؛ لكانت التسمية ذماً عليهم ، وأما إنكار الخوارج لهذه المعاني إنما هي باعتبار أنهم مخطئون فيها ، وإلاّ فإن الخوارج يعتبرون الخروج على الأئمة أو على الناس أو على علي بن أبي طالب رضي الله عنه كانت حقاً بل ديناً عليهم .
وبالنظر في كتبهم ومقالاتهم فإننا نجدهم يطلقونها على أنفسهم على سبيل المدح والفخر ، وهذا مسطّر في بعض كتبهم ومصنّفاتهم قديماً وحديثاً ، قال أحد شعرائهم :-
أألفــــــــا مؤمنٍ فيما زعمتم ويهزمــهم بآسك أربعونا
كذبتم ليس ذاك كما زعمتم ولكن الخوارج مؤمنونــا ( 17 )
وينكر متأخّروا الإباضيّة نسبتهم إلى الخوراج ، وسيأتي الكلام عليه في الفصل الثاني إن شاء الله .
2- الحروريّة :
وهي نسبةٌ إلى قرية بظاهر الكوفة ، نزل بها الخوارج الذي خالفوا علي بن أبي طالب رضي الله عنه ( 18 )
قال الإمام أبو الحسن الأشعري رحمه الله : ( والذي سموا له حرورية نزولهم بحروراء في أوّل أمرهم ) ( 19 ) .
وقد انقسم الخوارج إلى فرقٍ متعددة منها :
1-المحكّمة : ارقوا علياً وجماعة المسلمين بسبب مسألة التحكيم ، وذلك لأنهم زعموا أن علياً حكّم الرجال ولم يحكّم القرآن فقالوا : لا حُكم إلاّ لله ، وقد خصمهم عبدالله بن عباس رضي الله عنه في المناظرة المعروفة ، مع أن البعض منهم في العصر الحاضر يعكسون القضية فيقولون : إن ابن عباس رضي الله عنه هو الذي خُصِم في مناظرته معهم ( 20 ) ، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ ذكر المناظرة وصحّتها .
ولعلّ هذه الفرقة هي النواة الأولى في ظهور الخوارج وبروزهم .
يذكر الإمام ابن جرير الطبري رحمه الله في تاريخه : ( أن علياً لما أراد أن يبعث أباموسى للحكومة ، أتاه رجلان من الخوارج : زرعة بن البرج الطائي وحرقوص بن زهير السعدي ، فدخلا عليه فقالا له : لا حكم إلاّ لله . فقال علي : لا حكم إلاّ لله . فقال له حرقوص : تب من خطيئتك ، وارجع عن قضيّتك ، واخرج بنا إلى عدوّنا نقاتلهم حتى نلقى ربنا . فقال لهم علي : قد أردتكم على ذلك فعصيتموني وقد كتبنا بيننا وبينهم كتاباً ، وشرطنا شروطاً وأعطينا عليها عهودنا ومواثيقنا ، وقد قال الله عزّوجل : { وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلاَ تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُون } [ النحل : 91] . فقال له حرقوص : ذلك ينبغي أن تتوب منه . فقال علي : ماهو ذنب ، ولكنه عجز من الرأي ، وضعف من الفعل ، وقد تقدّمت إليكم فيما كان منه ، ونهيتكم عنه . فقال له زرعة بن البرج : أما والله ياعلي ، لئن لم تدع تحكيم الرجال في كتاب الله عز وجل قاتلتك ، أطلب بذلك وجه الله ورضوانه . فقال له علي : بؤساً لك ، ما أشقاك ، كأني بك قتيلاً تسفي عليك الريح . قال : وددت أن قد كان ذلك . فقال له علي : لو كنت محقاً كان في الموت تعزية عن الدنيا ، إن الشيطان قد استهواكم ، فاتقوا الله عزوجل ، إنه لا خير لكم في دنيا تقاتلون عليها ، فخرجا من عنده يحكمان .
ثم إن علياً خرج ذات يوم يخطب ، فإنه لفي خطبته إذ حكمت المحكمة في جوانب المسجد ، فقال علي : الله أكبر ، كلمة حق يراد بها باطل ) ( 21 ) .
2- الحروريّة : وهم الذين خرجوا على علي رضي الله عنه وأصحابه ، وانحازوا إلى مكان يقال له حروراء بالعراق ، ومنه قول عائشة رضي الله عنها ( أحروريّة أنت ؟ ) .
3- الشراة : وهم الذين زعموا أنهم يشرون أنفسهم ابتغاة مرضاة الله كما في قوله تعالى : { إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنَ المُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُم وَ أَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّة ...الآية}[التوبة : 111] .
4- الأزارقة : وزعيمها نافع بن الأزرق ( 22 .(
5- النجدات : نُسبت إلى زعيمها : نجدة بن عامر .
6- الحفصية : وزعيمهم حفص بن أبي المقدام ، وله أقوال تخرجه عن الإسلام ، كإنكار النبوة ، وإنكار الجنة والنار ، واستحلال كثيرٍ من المحرّمات ( 23 ) .
7- الإباضية : نسبة إلى عبدالله بن إباض على المشهور .
وللموضوع بقية ..
وتحياتي عبد المجيد الكلباني