المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : السؤال (27)



الوحيد
18-03-03, 10:17 AM
س : نرجو أن تبسطوا لنا القول في مسألة قراءة الامام (مالك) في قوله تعالي (مالك يوم الدين) وأي القراءتين أفضل بالالف أم بدونها؟ وما الدليل الذي اعتمد عليه صاحب كل قول؟ وما هو الراجح عندكم؟ج: اعلم ان من اختار قراءة من القراءات السبع فقرأ بها في الصلاة او خارجها لم ينكر ذلك عليه ولا يكون ذلك مخلا بصلاته لشهرة هذه القراءات وصحة اسانيدها وتلقي الامة لها بالقبول، الا من شذ، ولم يكن خلافه مخلا بما انعقد عليه الاجماع ، وقد افردت مؤلفات خاصة بهذه القراءات كما فعل ذلك الامام الشاطبي في منظومته وألحق جماعة من أهل العلم ـ من بينهم الامام الجزري ـ بها بقية القراءات العشر وعليه فما زاد على السبع من قراءات القراء الثلاثة الذين هم بقية العشرة المشهورين له نفس الحكم من جواز القراءة في الصلاة وغيرها، ومما لا خلاف فيه بين أهل العلم ان قراءتي (ملك) و(مالك) في الفاتحة قراءتان سبعيتان متواترتان فبالمد قرأ عاصم والكسائي من السبعة ويعقوب وخلف ـ في مختاره ـ من بقية العشرة، وقرأ سائرهم بعدمه ، وعزا جماعة من المحدثين والمفسرين كل واحدة من القراءتين الى عدد من الصحابة والتابعين كما بينته في (جواهر التفسير) بتفصيل لا يحتمله المقام.

ولئن كانت القراءتان متواترتين فلا داعي الى المفاضلة بينهما لان كل واحدة منهما حق لا يحتمل الباطل وصواب لا يشوبه الخطأ ، لذلك عدلت عن الخوض في ترجيح احدى القراءتين وان اقتحم لجة هذا الامر جماعة من العلماء المحققين وما أراهم الا انهم اعتنوا بما لا طائل تحته الا الإطالة في البحث، ولا بأس بايراد ملخص ما جاءوا به مع اختلافهم في ذلك الى مذهبين : فريق ذهب الى ترجيح قراءة (ملك) بدون الالف ومن هؤلاء المبرد وابو عبيد من علماء العربية وطائفة من المفسرين كابن جرير الطبري والزمخشري والسيد الجرجاني والقرطبي وقطب الائمة والامام أبي نبهان والسيد محمد رشيد رضا، وفريق آخر ذهب الى ترجيح قراءة (مالك) ومن هؤلاء أبو حاتم وابن العربي وابن عطية والشوكاني والامام محمد عبده.

احتج الفريق الاول وهم المرجحون لقراءة (ملك) بدون ألف بما يلي :

1 ـ ان قراءة (ملك) هي قراءة أهل الحرمين وهم أجدر بالاتباع اذ هم أحرى أن يقرأوا القرآن غضا طريا كما أنزل.



واعترض بأن قراءة اهل الحرمين لا تدل على الرجحان لانه لو سلم أن اوائلهم اعلم بالقرآن لم يسلم ذلك في عهد القراء المشهورين، ثم انه لا فارق بين القراءة والرواية مع انه مما اتفق عليه المحدثون وغيرهم أن صحيح البخاري مقدم على موطأ مالك مع ان مالكا هو عالم المدينة، على ان كلتا القراءتين متواتران كما سبق، وبعد التواتر المفيد للقطع لا يلتفت الى اصول الرواة.

وقول بعضهم: لا يخفى ان اهل الحرمين قديما وحديثا اعلم بالقرآن والاحكام غير مسلم، اذ لو كان كذلك لقدمت روايتهم على كل رواية وكان رأيهم أولى بالاعتبار دون أي رأي، على انه سبقت الاشارة بأن الروايات التي نقلها المحدثون وأثبتها المفسرون تفيد أن قراءة (مالك) هي قراءة كثير من اكابر الصحابة رضوان الله عليهم بل هي معزوة الى العشرة السابقين منهم ، وقد بسطت ذلك في جواهر التفسير.

2 ـ أن قراءة (ملك) تعتضد بقوله تعالى ـ في وصف يوم الدين ـ (لمن الملك اليوم)

واعترض بأن ذلك يمنعه قوله سبحانه( يوم لا تملك نفس لنفس شيئا) وهو وصف لذلك اليوم نفسه، ونفى المالكية عن غيره يقتضي اثباتها له لان السياق لبيان عظمته تعالى، ويعضده قوله اثره( والامر يومئذ لله)اذ المقصود بالامر واحد الامور لا الاوامر.

والارض والمتاع ، واما الملك فلا يضاف الا الى العقلاء كالناس، اللهم الا ان يكون على طريق المجاز ، وهو دليل بارز على ان المالكية ابلغ في السلطة واقوى في النفوذ فان للعقلاء حرية في التصرف والاختيار ليست لغيرهم، فضلا عما يفيده الشمول من عمق المعنى.

هذا ولا اظنك مع اقل نظرة وامعان تخفى عليك قوة الوجوه التي رجحت بها قراءة (مالك) على الوجوه التي تقابلها فقد شاهدت كيف اخذت تلك الوجوه التي رجحت بها قراءة (ملك) تتساقط امام الاعتراضات التي وجهت اليها حتى لم يبق منها وجه سالم من الاعتراض، بينما ظلت هذه الوجوه شامخة الانوف لم يحم حولها اي اعتراض، ومع ذلك كله فاني لا اجد داعيا الى كل هذا البحث كما أسلفت من رأيي، اذ ان القراءتين متواترتان صحيحتان بالاجماع، وقد قرأ بكل واحدة منهما من قرأ بها من القراء المجمع على صحة قراءتهم وجواز الصلاة بها، على ان اي قارئ اخذ يقرأ بإحدى القراءات السبع او العشر كان عليه ان يراعي جميع مفرداتها وان يحافظ على كيفية ادائها ليكون قد وفاها حقوقها، فمن كان يقرأ بقراءة نافع مثلا كما هو المتبع عند اهل المغرب ـ سواء اعتمد رواية ورش أم قالون ـ فمن حقه ان يقرأ (ملك)بدون مد، وهكذا لو قرأ بقراءة أبي عمرو او ابن عامر او حمزة او ابن كثير، أما ان كان يقرأ بقراءة عاصم كما هو المتبع في بلادنا المشرق ومن بينها بلاد عمان فليقرأ (مالك) بالمد المتكون من حركتين حتى لا يشذ عن القراءة التي انتهجها ، أما ان يقرأ بقراءة احد القراء ثم يأخذ ينتقي بعض الحروف من القراءات الاخرى فهو مما لا يقر عند علماء المقارئ، فقد ذكروا فيمن أراد أن يقرأ بأكثر من قراءة ثلاثة أوجه:

أولها : أن يقرأ القرآن كله باحدى القراءات مع مراعاة ما تستلزمه ، فاذا فرغ بدأ في تلاوته بقراءة اخرى حتى يأتي على جميع القراءات السبع او العشر او ما اراده منها.

ثانيها : أن يقرأ السورة بقراءة أحد القراء، فاذا فرغ منها اعادها بما يريد القراءة به من القراءات وهكذا حتى يختم القرآن كله.

ثالثها: أن يكرر الايات آية آية كل آية يقرأها بكل ما يريد القراءة به من القراءات السبع او العشر ، وهكذا يصنع في جميع القرآن.

أما أن يخلط ما بين القراءات في التلاوة الواحدة، بحيث يقرأ هنا بقراءة عاصم مثلا ويقرأ هناك بقراءة الكسائي او حمزة او نافع او أبي عمرو او ابن عامر او ابن الكثير او ابي جعفر او خلف او يعقوب فذلك مما لا يقر عند ذوي الاختصاص بعلوم القراءات ، لانه يؤدي الى عدم انضباط التلاوة بل يؤدي الى ان تتعدد القراءات الى ان تفوت الحصر، وبما انك كسائر اهل عمان تتلو القرآن برواية حفص عن عاصم اتباعا لما في المصاحف المنتشرة بيننا ارشدتك الى ان تلتزم ذلك في قراءة (مالك يوم الدين) لئلا تشذ عن النهج المتبع عند القراء.

أما لو علمتك تتلو بقراءة نافع مثلا ـ كما هو الحال في بلاد المغرب ـ لنصحتك أن لا تقرأ الا (ملك) بدون مد لتكون غير خارج عن قراءة نافع، ولكن انى لك بقراءة نافع، وهي من حيث الاداء تختلف عما ألفناه، ففيها تفخيم اللام في نحو الصلاة، وضم ميم الجمع ان وليتها همزة كما في قوله تعالى (يتلو عليهم ءايته) وتشديد ذال يكذبون في قوله تعالى ( ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون) بدلا من التخفيف الذي نقرأ به، وضم سين سد في قوله ( حتى إذا بلغ بين السدين) وكذلك قوله ( وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم سدا) بدلا من فتحها في قراءتنا وكذلك قرأ (فدية طعام مساكين) بالجمع بدلا من (مسكين) بالافراد في قراءتنا . وبتشديد الدال في (عدلك) من قوله تعالى ( الذي خلقك فسواك فعدلك)وقرائتنا بالتخفيف وقرأ ايضا نشرا ـ بالنون من الباء ـ في قوله عز وجل ( وهو الذي يرسل الريح بشرا بين يدي رحمته) ومثل هذا كثير.

هذا وقد اسفت ان وجدت اكثر اهل عمان فيما مضى لم يلتزموا قراءة قارئ معين في جميع القرآن، اذ كانوا يقرأون (ملك يوم الدين) بقصر الميم من ملك، مع أن تلاوتهم في سائر القرآن بقراءة عاصم المتبعة عند اهل المشرق، ومما يقرب من ذلك عدم التزامهم رواية حفص عن عاصم في موضع اخر وهو واو (كفوا) فانهم يهمزونها فيقرأونها (كفؤا) ولا ريب ان في قراءتها ثلاثة اوجه: ضم الكاف والفاء مع الهمزة في اخره، وبه قرأ نافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وأبو جعفر، الا أن أبا جعفر سهل الهمزة وقرأها الباقون بالتحقيق مع اختلاف في الروايات عنهم او عن بعضهم. وضم الكاف مع اسكان الفاء والهمزة، وهي قراءة حمزة ويعقوب. وبضمها مع ابدال الهمزة واوا وهي قراءة حفص عن عاصم. وبما أننا نلتزم في سائر القرآن رواية حفص عن شيخه عاصم بن أبي النجود لا ينبغي لنا العدول عن ذلك هذا ما اردت بيانه والله ولي التوفيق وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.