تحليل قصيدة
من "رباعيات الخيام"
لأحمد رامي
إعداد:أمحمد حسن منصور
(أ) مفتتح:-
التعريف بالشاعر :-
هو أحمد محمد رامي (1892-1914) ولد في القاهرة , وفي سن السابعة ذهب مع والده –الذي كان يعمل طبيبا –إلى بلاد اليونان , حيث أرسله الخديوي عباس ، ليكون طبيبا لجزيرة طاشيوز ، ثم عاد إلى القاهرة حيث نال شهادة البكالوريا ودخل مدرسة المعلمين العليا وتخرج فيها عام 1914 .
عين رامي مدرسا بمدرسة القاهرة الابتدائية بالسيدة زينب , وبعد عامين عين بمدرسة القريبة الأميرية يدرس الناشئة اللغة الإنجليزية والجغرافيا والترجمة وصدر ديوانه الأول عام 1918 ثم عاد بعد ذلك للعمل بمدرسة المعلمين العليا فعين أمينا للمكتبة , وظل حتى سافر في بعثة لدراسة اللغات الشرقية . وفن المكتبات بباريس 1923 عام . قضى فيها عامين , وهناك كان على موعد مع شاعر التاريخ عمر الخيام , وبعد عودته إلى مصر قام بترجمة رباعيات الخيام من الفارسية إلى العربية .
وأشهر مؤلفاته ديوانه وترجمته للرباعيات , ومسرحية شعرية بعنوان ( غرام الشعراء ) ثم ترجمة خمس عشره مسرحية عن شكسبير.
عمر الخيام ورباعياته:
اسمه عمر , وكنيته أبو الفتح , ولقبه غياث الدين ووالده إبراهيم النيسابوري وشهرته بالخيام لا اشتغاله أو والده بهذه المهنة ، واتفق أكثر المؤرخين : أنه ولد في نيسابور من أعمال خرسان في الشطر الأول من القرن الحادي عشر الميلادي حوالي 433ﻫ الموافق 1040م وتوفي بنيسابور ودفن بمقبرة الحيرة عام 517ﻫ الموافق 1123م نشأ في مسقط رأسه نيسابور وتربي على يد أستاذه الإمام موفق النيسابوري
وكان من الذين اقتنعوا من نعيم الدنيا بالكفاف وبقدر ما يتمكنون به من تأدية مهمتهم . وهى نشر ضياء العلم والنور والمعرفة ، لذا أبى أن يقبل ما عرض عليه من إمارة نيسابور اشتهر عمر الخيام بفطنته وذكائه والبراعة في كل العلوم ولاسيما علم الفلك والنجوم والرياضيات والفلسفة لذا لقب بالحكيم الفلكي ، فضلا عن براعته أيضا في علم الكتابة والإنشاء والشعر ،وعلم الطب .
ومن مؤلفاته (مختصر الطبيعيات ـ رسالة في الوجود ـ رسالة في الكون والتكليف )
ولكي لا أطيل ـ على القارئ الكريم ـ الحديث حول هذا الموضوع يهمني فقط القول :
بأن معظم رباعيات الخيام السليمة والصحيحة لا تخالف مبدأه الحقيقي ومكانته العلمية وعقيدته الإسلامية ، وإن حار في فهمها الأدباء , ولكن معظمها تدور حول : الاعتراف بعجز الإنسان أمام قدرة الله سبحانه وتعالى : وتسليم لحكمه؛ والتحلي بالأخلاق الفاضلة , وتنبيه الغافلين , والنظر في خلق الله , واغتنام العمر في طاعة الله , وعدم إتباع الأهواء وذم أهل الدنيا وأصحاب الغرور , والدعوة إلى القناعة , والاعتبار بالسابقين وأرى أن ما ورد في بعض رباعياته ـ الصحية ـ من ألفاظ تدور حول الخمر أو السكر وما إلى ذلك لا تحمل على ظواهر ها بل تؤول وتفسر من منظور صوفي إن جاز لنا القول بذلك .
فالسكر مثلا عند الصوفية هو " استيلاء سلطان الحال وغليان القلب عند معارضات ذكر المحبوب " 1" "وهو " دهش يلحق سر المحب في مشاهدة : جمال المحبوب فجأة "2" فهو رمز للعشق الإلهي ومن هنا فإباحة شرب الخمر يراد بها خمرة الحب الإلهي ولذة السكر المقدس .
ولابد أن أنوه هنا إلى ملاحظة هامة وخطيرة وهي : إن هناك مجموعة من الرباعيات المستنكرة الخليعة التي نسبها الناسبون إلى الحكيم عمر الخيام ،وهي لم تمت له بصلة ، حتى إن رباعياته قد وصلت إلى أربعمائة وأربع وستين رباعية ، وفي بعض الترجمات وصلت إلى ثمانمائة رباعية وفي بعضها الأخر إلى ألفين ،على الرغم من ان بعض الدراسيين والمحققين (3) اثبتوا ان بلحقائق العلمية والسند التاريخي ، والبحث السليم وعلى أساس مكانة الخيام وعقيدته الإسلامية ،اثبتوا له فقط أربعين رباعية .(4)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب / عوارف المعارف ـ للإمام السهروردي ، ضمن كتاب / إحياء علم الدين للإمام آبي حامد الغزالي ـ دار الكتب العلمية ـ بيروت ـ لبنان ج5 ط2 عام 1992 ص332
(2) معجم ألفاظ الصوفية ـ د/ حسن الشرقاوي ، مؤسسة مختار للنشر والتوزيع القاهرة ـ 1986 ص 131
(3) منهم : العروضي السمرقندي والعلامة الزمخشري , والقاضي النسوي ، والإمام آبي الحسن الغزالي ، ولا سيما حجة الإسلام الإمام محمد الغزالي ، ومعظمهم من الذين تتلمذوا عليه ، واختلفوا إليه ، واجتمعوا به ، وعوفوه من كثب .
(4) ولا ستيفاء : أشمل حول هذا الموضوع راجع كتاب / كشف اللثام عن رباعيات عمر الخيام ـ للعلامة أبو النصر مبشر ألطرازي الحسيني ـ الهينة المصرية العامة للكتاب ط2 ـ 1985م
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جو النص
بدا رامي ترجمة الرباعيات وهو في باريس عام 1923م لدراسة اللغة الفارسة ، وكان لوفاة شقيقه محمود رامي الذي ودفن في السودان أكبر الأثر في ترجمة هذه الرباعيات ، فاستمد الشاعر من حزنه على شقيقه قوة في تصوير آلم الخيام وظهر في عينيه بطلان الحياة التي نعى عليها في رباعياته ، وأحس وهو يترجمها كأنه ينظم رباعيات جديدة يودع فيها حزنه على أخيه الراحل في نضرة الشباب ويصبر نفسه بقرضها على فقده ن فيقول : ـ
" إني لأ هديها من ذلك الثاوي نيسابور بين ملفت الفياض ويافع الرياض إلى ذلك الراقد بحلفا بين شاطئ وباسقات النخيل "
(ب) القراءة .
1ـ " تنبيه الغافلين "
من معاني المفردات
1- هاتفا : صائحا مادا صوته عاليا.
2- السحر : آخر الليل قبيل الفجر ؛ جمعها ( أسحار )
3- الغيب : الموضع الذي لا يرى ، جمعها ( غيوب )
4- غفاة : جمع غاف وهو النائم
5- المنى : جمع : أمنية ، كل ما يتمناه الإنسان .
6- القدر : القضاء ، وجمعها أقدار .
الشرح :ـ
يتخل الشاعر أن هناك صوتا ينادى الناس وينبههم من غفلتهم ويدعوهم للعبادة والعمل والسعى وتحقيق الأماني ، قبل فوات الأوان وانقضاء الأجل .
-----------------------------------------------------
1) ديوان احمد رامي , دار العودة ، بيروت ـ لبنان 1987 م ـ ص 410
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من مظاهر الجمال: ـ
• يراوح الشاعر بين الأسلوب الخبري والإنشائي لتقرير وتأكيد فكرته وهى الاندماج في الحياة وتحقيق الأماني قبل انقضاء الأعمار
فنلاحظ النداء في ( غفاة البشر ) والأمر في ( هبوا ـ املأوا ) والفرض منها التنبيه والحث والنصح والإرشاد .
• الاستعارة المكنية : ـ
ـ كأس المنى
ـ تملآ كأس العمر كف القدر
• والتقديم والتأخير في :
" تملآ كأس العمر كف القدر " حيث قدم المفعول به على الفاعل للاهتمام بالمتقدم
• الكناية في :
" غفاة البشر " عن غلفة الناس وبعدهم عن الاستعداد للأخر وهي كناية عن موصوف
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
2ـ " الطمع في العفو والرحمة "
من معاني المفردات :
يشفع لي : يتوسل لي
في وحدتك ك تفردك ووحدانيتك ، وأما الوحدة بكسر الواو فهي الاتحاد والترابط
الشرح: ـ
يعني : يأرب : وأن لم أنظم درر الطاعة في سلكها ، ولم أنفض غبار المعصية عن وجهي ، فإني لست قانطا من كرمك وعفوك قط ، لأني لم أقل الواحد اثنين قط
من مظاهر الجمال :
• غلب الأسلوب الخبري على جمل هذا المقطع لتناسبه مع حاله الشاعر النفسية وهي الاستجداء وطلب العفو والطمع في الرحمة
• أسلوب القصر في ( إنما يشفع لي أنني ) أداته (إنما ) ونوعه قصر صفة على موصوف .
• التأكد ب (قد) يفيد التحقيق قبل الماضي ، ويفيد الشك والتقليل قبل المضارع .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
3 " الوجد والهيام "
من المعاني المفردات :
أولى : أحق وأجدر
الضرام : ما تضرم به النار من كل سريع الاشتعال ( اشتعال واتقاد )
يخفق ك يظطرب ويتحرك
أهوى : الهوى أول مراتب الحب ، العشق : شدة الحب
الشرح : ومن الأجدر بالإنسان أن يذوب ويحترق حبا وعشقا في ذات الله سبحانه ، فيا لحسرة الإنسان إذا لم يذق هذا الحب .
من مظاهر الجمال :
• كرر الشاعر الرف (ان ) اربع مرات يليه فعل مضارع ليؤكد على ضرورة هذا العشق والاستمرار فيه .
• الانشاء غير الطلبي في أسلوب التعجب ( ما أضيع اليوم ) يفيد الحسرة والندم على ما مر من أيام لم يعشق فيها ألذات الإلهية .
• الاستعارة المكنية في ضرام الحب ) .
• الترادف بين ( أهوى ـ أعشقا ) وقدم الهوى ، لأنه أول مراتب الحب أساس العشق .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
4- "المناجاة "
من معاني المفردات :
كاشف : رافع
الضر : ما كان من سوء حال أو فقر أو شدة في بدن
البائس : الشقي الفقير .
فئنا : رجعنا
• الشرح :
يا عالم أسرار ضمير كل عبد ، ويا من يأخذ كل عبد في حالة عجزه ، يأرب : يا قابل عذر كل عبد وفقني بالتوبة واقبل معذرتي .
• من مضاهر الجمال :
وظف الشاعر أسلوب الإنشاء الطلبي في :
- تكرار حرف النداء الثنائي ( يا ) وهو من الحروف الدواخل ، يليه صيغة واحدة (المنادى) صيغة اسم الفاعل ( عالم ـ كاشف ـ قابل ) يليها المضاف إليه ، موطن المناجاة والاستجداء لإبراز قدرة الله سبحانه وتعالى وعظمته فهذه النداءات المتكررة تعداد لأوجه مختلفات لقيمة واحدة تعني إثبات القدرة لله سبحانه وتعظيمه والدعاء والتوسل بقبول التوبه .
- أسلوب الأمر في ( فاقبل توبه التائبين ) للدعاء.
- الاستعارة التصرحية في : (رجعنا إلى ضلك ) حيث سبه رحمة الله وكنفه بالظل يلجأ إليه الإنسان ليشعر بالراحة والأمان .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
5- " الدعوة إلى السهر والعبادة "
من معاني المفردات
خفيف الظل : مرهف الحس
هاتها : فعل أمر جامد متصلا بالضمائر ، واسم فعل أمر لا يقبل الضمائر
الصرف : الشراب الذي لم يمزج
ناغ : من نفى نفيا تكلم بكلام غير مفهوم ( لاعب وحرك )
• الشرح: ـ
______________
علام إضاعة العمر في النوم وعدم انتهاز الفرص فسر الحياة إن تصحو وأن تشرب من خمرة الإلهي ولذة السكر المقدس ( بالعبادة والطاعة)
• من مظاهر الجمال : ـ
___________________________
ـ استخدم الشاعر الأسلوب الإنشائي الطلبي المتمثل في تعدد فعل الأمر ( أفق – هات –ناغ ) للحث والتنبيه وتأكيد الدلالة على حب الإله ، والإنابة إليه ، والتوبة لديه والاستغراق في ذكره للوصول إلى العشق أو الاتحاد والحلول بالمفهوم الصوفي .
ـ الكناية في ( خفيف الظل ) عن الإنسان المرهف الحس الرقيق المشاعر ، وفي ( هاتها صرفا وناغ الوتر ) عن اعشق والاستغراق في ذكر الله.
*الاستعارة المكنية في :
( ناغ الوتر )
* المقابلة
بين شطري البيت الثاني على العبادة وعدم إضاعة العمر في النوم .
6ـ "الاعتراف بالعجز "
من معاني المفردات :
الحيرة : التردد والاضطراب وفي النص ( يحار) لم يقو على النظر والمعرفة الحقة لذات الله سبحانه
الحمى : الموضع فيه كلأ يحمى من الناس أن يرعى وحمى الله اتقاء محارمه بالطاعة واللجوء إليه
الشرح :
يناجي الشاعر ربه فيقول : يا رب إن تفكيري قاصر عن إدراك أسباب معرفتك وكنه ذاتك كاملة ؛ لذا تطلب نفسي الاحتماء بك تجنب محارمك ، يا رب لقد كثرت ذنوبي ولكني تبت إليك وآمال في رحمتك وعفوك.
من مضاهر الجمال :
• الاستعارة المكنية في :
_ يحار الفهم
- تطلب النفس حمى
_ أسكرني الإثم
- صحوت بالآمال
• رواح الشاعر بين الأسلوب الإنشائي ( نداء ) في البيت الأول وغرضة التعظيم والتنزية وبين الأسلوب الخبري في البيت الثاني لوصف حالته النفسية من رجوع إلى الله والآمل في التوبة وطلب الرحمة .
__________________________________________________ _________
7- " الدنيا هموم "
من معاني المفردات :ـ
السأم : الملل والمضيق
ألم : اجتمع
انتشلني : أخرجني وانتزعني
• الشرح : ـ
يا إلهي سئمت من وجودي , ومن ضيق صدري وخلو يدي ، ولما أنك تجعل بقدرك من المعدوم موجودا ؛ فأخرجني من عدمي بحرمة وجودك .
• من مضاهر الجمال : ـ
ـ التقديم والتأخير في " ألم ـألم " على اعتبار تسكين الميم في الثانية للضرورة الشعرية .
ـ الأسلوب الإنشائي المتمثل في النداء والأمر في ( رب انتشلني ) للدعاء.
8ـ " اغتنام العمر"
من معاني المفردات
البال: الحال أو الخاطر أو الذهن
الغنم : الفوز والظفر
* الشرح : ـ
لا تهتم بأمسك ولابغدك ، بل أدرك واغتنم الفرصة القصيرة من عمرك قبل فوات الأوان .
* مضاهر الجمال :ـ
• الطباق بين ( ماض X آت ) يوضح المنى ويؤكد على عدم التفكير والانشغال به هو ماض وما هو آت ، والدعوة إلى الاندماج في الحياة .
• استخدام الأسلوب الإنشائي المتمثل في ( النهى والأمر) للحث والنصح والإرشاد
• الاستعارة المكنية في ( فليس في طبع الليالي الأمان )
• التقديم والتأخير ( فليس في طبع الليالي الأمان ) لمراعاة الوزن الشعري
• الجناس الناقص بين ( الأمان _ الزمان )
9- "الاندماج في الحياة "
من معاني المفردات :
تسفيك : تحملك
• الشرح :
يمضي العمر وينتهي فعش في الدنيا طيب النفس صابرا متمتعا بملذاتها
• من مضاهر الجمال :
ـ الاستعارة المكنية في :
1. تناثرت أيام العمر
2. تسفيك كف القدر
ـ التشبيه البليغ في
تناثرت الأيام ..... تناثر الأوراق .....
10 – الأيمان بالقضاء والقدر:
من معاني الكلمات والمفردات :
تشقى : تتعب
العدم : الفناء وضده الوجود
الدهر : الزمان وجمعه أدهر أو دهور
المقادير : ما يقضي بها الله على عباده ( القضاء ) ومفردها : مقدار
• الشرح :
لا يوجد حكم أفضل من حكم الله ، فكل قضاء يجري بأمره ،فعلام الشقاء والألم ما دمت تعلم أنك إلى فناء ؟ فطب نفسا بالرضا والقناعة بكل ما يلاقيك في الدنيا .
* من مظاهر الجمال :
• الاستفهام في البيت الأول غرضه التعجب
• الاستعارة المكنية في :
- أنك ابن العدم
- الدهر لا تجري مقاديره
مواقع النشر (المفضلة)