[align=center]قراءة في وثيقة "الأيام السوداء في تاريخ "إسرائيل"
الجسر الجوي الامريكي أنقذ الكيان من الهزيمة
[/align]

بعد 30 عاما من حرب أكتوبر ، 1973 أعلن ضابط “إسرائيلي” متقاعد ويدعى (عامير بورات) أن لديه مجموعة من الوثائق والتسجيلات تحوي العديد من المعلومات حول الأحداث والاتصالات التي حدثت أثناء إدارة المعارك على الجبهة الجنوبية في سيناء في حرب أكتوبر، وادعى أنها تخص قائده السابق الجنرال جونين، والذي كان يعمل معه كضابط اتصالات منذ عام ،67 وأنه احتفظ بها بشكل سري كتوصية من قائده طوال هذه الفترة الطويلة إلى أن سلمها لجريدة “معاريف” لتقوم بنشرها .

وقد أوضح عامير بورات أن الجنرال شموئيل جونين الذي كان قائدا للجبهة الجنوبية في سيناء، قد قام بإعداد تلك التسجيلات بهدف استخدامها كأدلة للدفاع عن موقفه بسبب فشل قواته في مجابهة الهجوم المصري، وقد احتوت الوثيقة على العديد من المعلومات عن الحوار الذي كان يدور بينه وبين هيئة قيادته في سيناء ومع رئيس الأركان العامة الجنرال ديفيد اليعازر (دادو) في تل أبيب، ومع وزير الدفاع موشي ديان وغيرهم، وذلك أثناء إدارة الأحداث المهمة ووصفها للأوضاع السيئة التي تردى لها الجيش “الإسرائيلي” في سيناء، منذ الساعات الأولى لاندلاع الحرب ظهيرة يوم 6 أكتوبر/تشرين الاول 1973.
بغض النظر عما تهدف إليه تلك الوثائق، والسبب في نشرها في الصحف في هذا التوقيت، ومدى دقة ما تحتويه من معلومات، إلا أننا نجدها متزامنة إلى حد ما مع الأحداث الحقيقية مع ملاحظة أن تلك الوثائق أغفلت في سياقها الكثير من الحقائق، ولا نعرف يقينا إذا كان ذلك عن عمد أو حذفا لها، ومع ذلك فإننا نجدها تعكس حالتي الفوضى والارتباك الكبيرتين اللتين سادتا ابتداء من القيادة العليا في تل أبيب وحتى قيادة الجبهة في سيناء، وبين نخبة القادة العسكريين “الاسرائيليين” وعلى رأسهم الجنرال شارون في تعاملهم مع الهجوم المصري الكاسح والذي أفقدهم جميعا توازنهم ، على حد وصف ما جاء بتلك التسجيلات المشار إليها .

وقد قامت الحكومة “الاسرائيلية” بعزل الجنرال شموئيل جونين واعتبرته مسؤولا عن الهزيمة في سيناء، وكذلك اعتبرت موشي ديان أيضا بعد أن كان من نجوم حرب ،67 وتلك عادة “إسرائيلية” قديمة للحفاظ على معنويات الشعب “الإسرائيلي”، والتركيز على هالة التفوق لجيش الدفاع “الإسرائيلي”، فمن الضروري تبعا لذلك أن يكون هناك بطل لكل حرب وفاشل أيضا يتم تعليق عليه الأخطاء واختزال الأمر في الأشخاص، فموشي ديان كان بطل حرب 67 مع أنه تولى منصب وزير الدفاع قبل الحرب بثلاثة أيام، أي أنه لم يشترك لا في تخطيط أو الإعداد لتلك الحرب، واختاروا شارون ليكون بطل حرب ،1973 ولذلك يمكن تركيز الأضواء على التفوق “الإسرائيلي”، وفي الوقت نفسه تركيز الهزيمة في شخص، وعلى سبيل المثال فإن الجنرال جونين الذي تم اختزال الهزيمة في سيناء في شخصه، يعد من أكثر القادة “الاسرائيليين” خبرة وحنكة ومن جيل الجنرال شارون نفسه، فقد ولد جونين عام 1930 في روسيا وهاجر إلى فلسطين في ،1933 وانضم لسرايا العاصفة ،1946 واشترك في حرب 1948 وحرب ،1956 وتدرب في أوروبا على المدرعات الحديثة، واشترك في حرب 1967 كقائد لواء مدرع، وعين مسؤولا عن تدريب الجيش “الإسرائيلي” في هيئة الأركان العامة، ثم عين قائدا للمنطقة الجنوبية في سيناء في يوليو 1973 وبالنظر لتلك الخبرة الطويلة، ومسؤوليته عن تدريب الجيش “الإسرائيل” فإن ذلك كله يضعه ضمن نخبة القادة “الاسرائيليين”، وقد عزل من منصبه في نوفمبر 1973 وكأن الحكومة تريد أن تقول بقرار عزله إن هزيمتنا في سيناء لم تكن بسبب الهجوم الكاسح المصري وقوة الصدمة، والتي لم يسلم منها أي قائد عسكري أو سياسي ليس فقط في “إسرائيل”، ولكن في الولايات المتحدة أيضا، والتي قامت بتقدير الموقف العسكري في يوم 6 أكتوبر/تشرين الاول وقدمت النصيحة ل “اسرائيل” في اليوم نفسه بما يجب أن تعمل في اليوم التالي، وهو ما نفذته فعلا يوم 7 أكتوبر، إلا أن وصول قائد عسكري أمريكي يحمل معه خطة أمريكية يعتبر الخطوة الثانية الأكثر أهمية في المعاونة العسكرية ل “اسرائيل” بهدف حرمان مصر وسوريا من استكمال النصر .

وقد أسرعت الولايات المتحدة على الفور بإنشاء أكبر جسر جوي وبحري ل “اسرائيل” لإمدادها بالعديد من الأسلحة الحديثة وأنواع متطورة للغاية من الصواريخ والقنابل (ماركة سمارت) الجيل الأول من الأسلحة الذكية والتي لم تكن أمريكا قد استخدمتها .
وكان حجم الجسر الجوي الأمريكي 569 طلعة قامت بها 23 طائرة يوميا ل”اسرائيل” بالإضافة إلى 8 طائرات مدنية “إسرائيلية”، تم نقل نحو 27500 طن، وبالبحر 33210 أطنان .
ومن الملاحظ أن الجسر الجوي بدأ (يوم 13 أكتوبر) وهو اليوم السابق لتطوير الهجوم المصري في اتجاه المضايق يوم 14 أكتوبر ومما يلفت النظر أيضا أن أبرز الأيام التي تميزت بضخامة حجم الجسر الجوي ل”إسرائيل” كانت هي أيام ،15 ،16 ،17 21 أكتوبر وهي الفترة التي حدثت فيها ثغرة الدفرسوار، وكان ل “إسرائيل” المبادأة فيها على الجبهة المصرية .

وسوف يلاحظ القارئ بوضوح شديد التغير الحاد في الموقف وخاصة الروح المعنوية للقوات “الاسرائيلية” اعتبارا من اليوم التالي والدعم الأمريكي، وحول بعض تلك النتائج المباشرة للدعم الأمريكي ل”اسرائيل” يقول المرحوم الفريق محمد علي فهمي قائد الدفاع الجوي في حرب أكتوبر جاءت الأحداث لتؤكد أن القوات المصرية أصبحت تواجه الولايات المتحدة الأمريكية، وليس “إسرائيل” وحدها، فقد لوحظ طفرة مفاجئة في حجم وكثافة الهجمات الجوية المعادية اعتبارا من يوم 14 أكتوبر/تشرين الاول، كما رصد تغيير في الإعاقة الإلكترونية المضادة لمحطات الرادار ومحطات توجيه الصواريخ اعتبارا من هذا اليوم .
وسوف يلاحظ القارئ ونحن نستعرض الوثيقة التحول المفاجئ لسياق الحرب الطبيعي اعتبارا من تلك التواريخ المشار إليها، فقد أصبح على القوات المسلحة المصرية أن تقاتل “إسرائيل” والولايات المتحدة .
تناولت الوثيقة في البداية بعض الخلفيات عن جنرالات “إسرائيل” وعلاقاتهم والعلاقة القوية التي كانت تربط الجنرال جونين مع وزير الدفاع موشي ديان، وكيف تدهورت العلاقة بينهما مع ظروف حرب ،73 لدرجة أن الجنرال جونين فكر في اغتيال موشي ديان كما أوضحت الوثيقة أيضا درجة الغرور التي كان يعيشها جنرالات “إسرائيل” حيث تقول الوثيقة :

هكذا كان حال معظم القادة سواء كان شارون أو ديان أو جونين فكل منهم تصرف بفلسفته الخاصة وكان يتجول كالإله في تل أبيب، فقد كان جونين يأكل في المطاعم ولم يفكر ولو لمرة واحدة أن يدفع الحساب، ولم يجرؤ أحد أن يطلب منه دفع الحساب وقد كان هذا هو الأسلوب الذي يتبعونه كلهم في تلك الفترة حيث إن الجيش والجنرالات يعلون ولا يعلى عليهم .

الساعات الأولى من حرب أكتوبر :
أشارت الوثيقة بأنه تم استدعاء وزير الدفاع ورئيس الأركان العامة في الجيش “الإسرائيلي” صباح يوم عيد الغفران الموافق السادس من أكتوبر في الساعة الرابعة صباحا بعد وصول معلومات بأن مصر وسوريا قد تشنان هجوما على “إسرائيل”، واستمر الجدل في رئاسة الوزراء حول هذا الموضوع، وفي الساعة 1405 تحولت شبكة اتصالات القيادة الجنوبية إلى نشاز حقيقي فقد قصف المصريون الكتيبة 184 في منطقة الطاسة، وأهدافا عديدة للقوات “الاسرائيلية” شرق القناة، ونجحت القوات المصرية في تحقيق انتصارات في كل النقاط الحصينة ووقعت تلك المواقع الواحد تلو الآخر، كما أسفرت تلك الهجمات عن العديد من القتلى والجرحى، وقد عبر المصريون القناة بأعدادهم الكبيرة وهم يصيحون الله أكبر ويلوحون بالأعلام المصرية على أرض الضفة الشرقية لقناة السويس وقد كانت الصدمة من العيار الثقيل، حيث فوجئنا بغزارة النيران وقوة الصدمة التي جمعت بين المدفعية والطيران والقوات البرية التي كانت تعبر في زوارق مطاطية ومن خلفهم عدد لا حصر له من الدبابات .

السابع من أكتوبر :
أشارت الوثيقة إلى وصول الجنرال موشي ديان إلى سيناء ولقائه بالجنرال جونين في قيادة الجبهة لمعرفة الموقف وتحديد ما يمكن عمله، واتصل أيضا برئيس الأركان اليعازر، وأخطره أن الهجوم المضاد الذي شنته القوات “الاسرائيلية” ضد القوات المصرية قد فشل وأنه سيتم معاودة الهجوم في اليوم التالي بعد وصول المدرعات الكافية .
وقد غادر ديان سيناء وكانت معنوياته منخفضة للغاية ومكتئباً وفي طريق العودة قال: إن هذا هو خراب الهيكل الثالث وبسبب تلك الكلمات التي تذكرنا بالخزي الأبدي منعت جولدا مائير وزير الدفاع من الظهور أمام شاشات التلفزيون ليخبر “الاسرائيليين” بالوضع الحالي في الجبهات المختلفة .

وتعليقا على الهجوم المضاد الذي شنته القوات “الاسرائيلية” في هذا اليوم فقد كان بقوة 3 لواءات مدرعة بها حوالي 300 دبابة بالإضافة إلى 100 دبابة كانت موجودة من اليوم السابق، واشترك في قيادة هذا الهجوم كل القادة الموجودين، وتصورت القيادة “الاسرائيلية” أنها بهذا الحشد من القوات والقادة سوف يمكن اكتساح القوات المصرية التي نجحت في عبور قناة السويس، وقد شمل الهجوم المضاد “الإسرائيلي” أربعة محاور (القنطرة - الفردان - شرق الإسماعيلية - شرق السويس) وبعد 5 ساعات من القتال الضاري فشل الهجوم “الإسرائيلي” وخسرت القوات “الاسرائيلية” في نهاية 7 أكتوبر/تشرين الاول 175 دبابة علاوة على القتلى والأسرى والجرحى .

وهذا هو السبب الذي استشعر منه موشي ديان أن القوات المصرية لن يمكن إيقافها، وقد اتهموه في الوثيقة بأنه منهار ومكتئب للتغطية على تقديره للموقف والذي أدى لطلبه بانسحاب القوات “الاسرائيلية” إلى عمق سيناء إلى خط يمكن الدفاع عنه أو حتى الحدود “الاسرائيلية” وبالطبع لم يقل وزير دفاع “إسرائيل” هذا القول من فراغ فقد كان يعلم جيدا القدرات الحقيقية والواقعية والمتاحة للجيش “الإسرائيلي” وقد عرض دايان هذا الرأي في اجتماع مجلس الوزراء الذي دعت إليه جولدا مائير في الساعة الثامنة مساء اليوم نفسه، ورفضته رئيسة الوزراء حيث إنها من الواضح أنها استطلعت رأي الولايات المتحدة والتي لم توافق عليه حيث إنها تستعد لشيء آخر ويظهر ذلك واضحا حينما كشف الجنرال اليعازر رئيس الأركان “الإسرائيلي” في مذكراته التي نشرت بعد الحرب بعض الأسرار للمعاونة العسكرية ل “اسرائيل” منذ اليوم الأول للقتال .

قال إليعازر (دادو): إن الاتصال كان مفتوحا بين القيادة “الاسرائيلية” ووزارة الدفاع الأمريكية للتشاور في الموقف العسكري أولا بأول، وطلبت “إسرائيل” من أمريكا يوم 6 أكتوبر الرأي العاجل فيما حدث وتزويدهم بالخطط التي يراها البنتاجون صحيحة ومناسبة للموقف، وكان رد أمريكا أن تنتظر “إسرائيل” قليلا حتى ينتهي الخبراء العسكريون الأمريكيون من تقييم الموقف بعد عبور المصريين قناة السويس .

الاثنين 8 أكتوبر :
تناولت الوثيقة أحداث هذا اليوم بشكل انتقائي، وركزت على المناوشات التي حدثت بين الجنرال شارون والجنرال جونين بسبب عدم التزام شارون بالخطة، الأمر الذي طلب فيه جونين من القيادة العليا في تل أبيب الموافقة على إقصاء شارون وكانت الخطة “الاسرائيلية” في هذا اليوم تقضي بشن هجوم مضاد قوي، بفرقة الجنرال البرت مندلر ضد قوات الجيش الثالث، وفرقة الجنرال ابراهام أدن ضد قوات الجيش الثاني على أن تقوم فرقة الجنرال شارون بمعاونة الاتجاه الناجح منهما، وقد دارت أشرس معارك الدبابات في ذلك اليوم، وفشل الهجوم المضاد تماما مما وجه ضربة قاصمة لمعنويات القوات “الاسرائيلية”، وقد علق موشي ديان على ذلك قائلا أمام الصحافيين: “لقد تبين أمام العالم بأسره بأننا أقل قوة من المصريين”.

ويلاحظ أن الوثيقة تتناول الأحداث دون تسلسل كما أنها تركز على موضوعات وتتجاهل موضوعات رئيسية أخرى، فمثلا كيف تغفل الوثيقة أنه في ذلك اليوم قد وقع أحد قادة الألوية “الاسرائيلية” في أسر القوات المصرية وهو العقيد عساف ياجوري وقد نشرت صحيفة “معاريف” تفاصيل ما حدث ووصفت هذا اليوم بأنه “الاثنين الأسود” وتجاهلت الوثيقة أيضا أحداث يوم 9 أكتوبر/تشرين الاول تماما حيث سقطت كل النقط الحصينة “الاسرائيلية” المتبقية في خط بارليف عدا نقطة لسان بور توفيق فكانت تحت الحصار للقوات المصرية .

يوم 10 أكتوبر :
وصل الجنرال حاييم بارليف لقيادة الجبهة بعد قرار الحكومة “الاسرائيلية” باستدعائه لقيادة الجبهة الجنوبية، ودار بينه وبين القادة حوار حول الموقف المتردي للقوات “الاسرائيلية”، ويلاحظ أن كل البيانات الرسمية “الاسرائيلية” وتصريحات المسؤولين مليئة بالتضارب عاكسة بوضوح حالة عدم الاتزان للموقف العسكري “الإسرائيلي” الذي بدا أنه يعاني من الارتباك كما أكدت الوثيقة أيضا على تدهور العلاقة بين الجنرال جونين والجنرال شارون .

انتقلت الوثيقة مباشرة إلى يوم 13 أكتوبر :
ركزت الوثيقة على وصف عملية استسلام القوة “الاسرائيلية” الموجودة في النقطة الحصينة في لسان بور توفيق، والتي كان فيها مع بداية الحرب 42 جنديا “إسرائيليا” ولم يتبق منهم سوى 16 جنديا ووصل إليهم ممثلو الصليب الأحمر لترتيب إجراءات الاستسلام للقوات المصرية، واتصلت قيادة الجبهة الجنوبية بقائد النقطة الحصينة وأوكلت إليه اتخاذ قراره بالاستسلام، ولما استفسر قائد النقطة عن مدى إمكانية دعمه فأفادته قيادته بأن ذلك صعب، فاتخذ قائد النقطة الحصينة قراره بالاستسلام للقوات المصرية، وتعرضت الوثيقة بعد ذلك لأحداث بعد ظهر 13 أكتوبر/تشرين الاول حيث تناولت مقتل ما سمته قائد الكتيبة مندلر، وهو في واقع الحال الجنرال البرت مندلر قائد القوات المدرعة في سيناء، وتولى قيادة الفرقة المدرعة التي كانت تشن هجومها ضد قوات الجيش الثالث شرق القناة، وبعد أن أصيبت مدرعته بقذيفة مباشرة على طريق الجدي عين الجنرال كالمان ماجن -الذي كان يعمل كنائب له بقيادة الفرقة- بدلا منه.
ثم تعرضت الوثيقة إلى يوم 14 أكتوبر/تشرين الاول: حيث تحدثت وبشكل مفاجئ عن عودة الفخر إلى قلوب القوات “الاسرائيلية”، وتغيرت أيضا نغمة الكلام إلى تصريحات يملؤها الاستخفاف بشأن المصريين كما كان سابقا، ولعلنا جميعا قد نتساءل عن أسباب هذه التحولات الدراماتيكية المخالفة للسياق؟ يمكن القول إن عودة الفخر إلى قلوب القوات “الاسرائيلية” كان على متن الجسر الجوي والبحري الأمريكي الذي كان قد وصلت بشائره اعتبارا من اليوم السابق، 13 أكتوب/تشرين الاول ، كما سبق إيضاحه وتناولت الوثيقة كيف أن القوات “الاسرائيلية” استغلت قرار إيقاف إطلاق النار ولم تحترمه حيث لم يعرف عن “إسرائيل” أنها احترمت قرارات المجلس في تاريخها وكان قبولها القرار أكبر دليل على حاجتها الفعلية لوقف القتال بسبب سوء أوضاع قواتها فقد أصدر مجلس الأمن قرارا برقم 338 يدعو إلى إيقاف إطلاق النار بدءا من الساعة 1825 مساء 22 أكتوبر، وقبل تطبيق القرار بأربع ساعات أشارت الوثيقة أن نائب رئيس الأركان العامة الجنرال “إسرائيل تال” قد أصدر أمرا لقيادة المنطقة الجنوبية أن تستمر في العمل لمدة 24 ساعة وتقوم باستغلال الفرصة وتحسين أوضاع القوات “الاسرائيلية” غرب القناة وإحكام حصار الجيش الثالث من الغرب، والذي لم يكن من الممكن تنفيذه إلا بالخديعة وعدم احترام قرار وقف إطلاق النار الذي احترمته مصر والتزمت به ولم تلتزم به “إسرائيل”، وقد تناولت الوثيقة تلك النقطة وتحدثت عن أن هناك دائما تساؤلا يقول هل كان الجنرالات هم السبب في عدم إتمام المهمة قبل تطبيق قرار وقف إطلاق النار ؟

وبالقطع لا أحد يمكنه الاعتراف بذلك ويمكننا أن نجد في قرار لجنة إجرانات باتهام الجنرال شموئيل جونين بالتقصير وتنحيته عن منصبه دليل على الهزيمة، فلم يشفع له النصر المزيف والذي اشترك فيه وتحقق غرب القناة، لعلمهم يقينا أن تلك العملية لم تكن عملا عسكريا بقدر ما هي سيناريو سياسي عسكري مطلوب للمساومة السياسية بعد الحرب، فقرار إيقاف النيران كان في الأفق .

ولم تحقق “إسرائيل” أي أهداف عسكرية فقد أصبحت قواتها رهينة داخل منطقة محدودة غرب القناة ومحاطة تماما بالقوات المصرية كما أن ارتباطها بشرق القناة بشريط محدود أيضا محاط بالقوات المصرية ولا توجد لديه القدرة أو الإمكانات لاستئناف القتال مرة أخرى مع القوات المصرية التي كانت قادرة على تصفيتها تماما لو لم يتوقف القتال .


* لواء د. محمود خلف
مستشار بالمركز القومي لدراسات الشرق الاوسط