[align=center]
للشيخ محي الدين ابن عربي رحمه الله
قد ظهر لي من سر هذا الحديث ما يجب نسقه ومستحسن وصفه وهو للرسول صلوات الله عليه وعلى آله: إن الله تعالى وضع هذه الروح الروحانية في هذه الجثث الجسمانية لطيفة لاهوتية مودوعة في كثيفة ناسوتية، دالة على وحدانيته وربانيته، ووجه الإستدلال بذلك من تسعة أوجه:
1_الأول إن هذا الهيكل الإنساني لما كان مفتقراً إلى مدبر ومحرك، وهذه الروح تدبره وتحركه، علمنا أن العالم لابد له من محرك ومدبر.
2_الثاني لما كان مدبر الجسد واحد وهو الروح، علمنا أن مدبر هذا العالم واحد لاشريك له في ملكه.
3_الثالث لما كان هذا الجسد لا يتحرك إلا بمادة الروح وتحريكها، علمنا أنه مريداً لما هو كائن، لايتحرك متحرك سراً أو جهراً إلابقدرته وإرادته وقضائه ومشيئته.
4_الرابع لما كان لايتحرك في الجسد شيء، إلا بعلم الروح ولايخفى على الروح من حركات الجسد وسكناته شيء، علمنا أنه لايغرب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
5_الخامس لما كان هذا الجسد لم يكن شيء أقرب إلى الروح منه بل هو أقرب شيء لها، علمنا أنه قريب إلى كل شيء، ليس شيء أقرب إليه من شيء ولا أبعد من شيء، لأنه منزه عن القرب والبعد.
6_السادس لما كانت الروح موجودة قبل وجود الجسد وباقية بعد عدم الجسد، علمنا أنه سبحانه موجود قبل كون خلقه وموجود بعد فقد خلقه، مأزل الأزل ومقدس من الزوال.
7_السابع لما كانت الروح في الجسد لا يعرف لها كيفية، علمنا أنه مقدس عن الكيفية.
8_الثامن لما كانت الروح في سائر الجسد ما خلى عنها شيء من الجسد، علمنا أنه تعالى موجود في كل مكان ما خلى منه مكان.
9_التاسع لما كانت الروح لاتدرك بالحس ولا باللمس ولا بالصورة ولا بالبصر علمنا أنه سبحانه لاتدركه الأبصار ولا الصور ولا الأثار ولايتشبه بالشموس والأقمار، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ومنزه عن المكان والزمان.
وهذا معنى قوله صلوات الله عليه(من عرف نفسه عرف ربه) فطوبى لمن عرف وبذنبه اعترف...... ومعنى اَخر: هو أنك تعرف أن صفات نفسك على الضد من صفات ربك، فمن عرف نفسه بالعبودية عرف ربه بالربوبية ومن عرف نفسه بالفناء عرف ربه بالبقاء، ومن عرف نفسه بالجناء والخطأ عرف ربه بالوفاء والعطاء، ومن عرف نفسه كيف هي عرف ربه كيف هو. واعلم أنه ليس لك إلى معرفة إياك كما إياك...فكيف لك السبيل إلى معرفة قوله(من عرف نفسه عرف ربه) وهذا محال لأنه يستحيل أن تعرف نفسك بكيفيتها وكميتها، فإذا كنت لاتطيق أن تصف التي بين جنبيك وهي نفسك، فكيف يليق في عبوديتك أن قضية الربوبية أن تتصف بالأين والكيف وهو مقدس عن ذلك وفي هذا المعنى إليك شعراً...... قولي لمن يفهم عني ما أقول أقصر القول فذا شرح يطول ثم سراً غامضاً من دونه ضربت والله أعناق الفحول أنت لاتعرف إياك ولا تدري من أنت ولا كيف الوصول لا ولا تدري صفات ركبت فيك حارت في خفاياها العقول أين منك الروح في جوهرها هل تراها أو ترى كيف تجول هذه الأنفس هل تحصرها لا ولا تدري متى عنك تزول أين منك العقل والفهم إذا غلب النوم فقل لي يا جهول أنت أكل الخبز لم تعرفه كيف يجري فيك أو كيف تبول فإذا كانت طواياك التي بين جنبيك كذا عنها ضلول كيف تعرف من على العرش استوى أو تقل كيف استوى كيف النزول كيف تحكي أم ترى كيف ترى فلعمري ليس ذا إلا فضول هو لا أين ولا كيف له وهو رب الأين و الكيف يحول هو فوق الفوق والفوق له وهو في كل النواحي لا يزول جل ذات وصفات وسما وتعالى قدرة عما أقول ......................... [/align]
 |
 |
|
رد مع اقتباس
مواقع النشر (المفضلة)