نعم إن التربية متعة، ومحروم من لم يستمتع بتربية أبنائه، فالتربية معاناة وألم وأمل وخوف وقلق، ولكنها مع ذلك متعة وتحد وأجر عظيم... أستغرب ممن يشتكي من أبنائه، وبعد هذه الشكوى ينجب ابناً إضافياً، إن من متع التربية أن يحقق الوالدان ذاتهما من خلال توجيه الأبناء وصياغة شخصيتهما، وأن يشاركا أبناءهما الحلم الذي يسعيان من أجله وأن يضعا تجاربهما وخبراتهما في نفس هذا المخلوق الصغير.

وكلما أعطى الوالدان ابنهما أكثر، رد إليهما في المستقبل أكثر، فالتربية استثمار طويل الأجل وقد استوقفتني رواية لعبدالله بن المبارك، وهو تابعي جليل وأمير المؤمنين في الحديث، وشعرت من خلال روايته كم هي التربية متعة وأنس وفرح، بما فيها من أجر عظيم وثواب جزيل، فقد قال ابن المبارك وهو مع إخوانه في الغزو «أتعلمون أفضل مما نحن فيه؟ قالوا: ما نعلم؟، قال: رجل متعفف على فقره ذو عائلة، قد قام من الليل، فنظر إلى صبيانه ينامون متكشفين، فسترهم وغطاهم بثوبه، فعمله أفضل مما نحن فيه» (الرافعي وحي القلم جـ 1/225).

قد يستغرب القارئ من هذا المعنى، ولكن من يعرف قيمة التربية والرعاية والتوجيه والحماية، لا يستغرب مما قاله ابن المبارك - رحمه الله - ولعلنا نجد في واقعنا اليوم تكَشّف الصبيان، ونقصد التكشف المعنوي لا المادي كتكشف اللباس، وإنما هو تكشف قيمي وسلوكي يتطلب من الآباء أن يراقبوا أبناءهم عن قرب ومن بعد، وأن يوجهوهم من قرب ومن بعد، وفي النهار وفي الليل، فإذا كان ستر الأبناء بالثوب ليلاً أجره أعظم من الجهاد في سبيل الله، فكم هو أجرهم عندما يسترون أبناءهم بثوب الدين وثوب القيم وثوب الأخلاق وثوب الأدب، ويجمع ذلك كله ثوب التربية الصالحة.

نعم إن التربية متعة، ويكفي الوالدين شرفاً أن يتذكرا وهما يقومان بالعملية التربوية أنها صدقة جارية.

وتحياتي
عبد المجيد الكلباني