أحد المتاجر التي تبيع منتجات عربية في برلين

"يا الله كيف سأصوم أكثر من 21 ساعة يوميا؟!!" كان ذلك السؤال الوجودي يقفز إلى ذهني كلما تذكرت اقتراب شهر رمضان، بينما أقضي نهاية الشهر الأول من مدة اقامتي في العاصمة الألمانية برلين التي تمتد لشهرين.
ساعات الصيام الطويلة كانت أكثر ما يشغل بالي مع اقتراب الشهر الكريم من العاصمة الالمانية، ومع بعض النقاشات مع الاصدقاء ظهر من يقدم لي فتوى بأن المسلمين في أوروبا يجوز لهم الصيام مع دولتهم الأم، بينما يظهر هناك من يقدم فتوى أخرى تبيح لي كمسلم في ألمانيا الصيام بالتوقيت السعودي باعتباره قبلة المسلمين في كل بقاع الأرض.

لم يبد عقلي أي بوادر اقتناع بهذا الكلام الذي يبدو وكأنه تحايل على الصيام، فقررت الصوم بالتوقيت الألماني مرتضيا بساعات الصيام الطويلة ومحتسبا الأجر عند الله.

يبدأ رمضان في مصر بينما تتردد دول أخرى في بدء الصيام وفقا للهلال الذي يظهر لدول دون أخرى ليصنع حالة البلبلة المتكررة وتفرقة الدول العربية في بدء الصيام ومن ثم الاحتفال بعيد الفطر.

ألجأ إلى جوجل لكي يساعدني في الحصول على مواعيد دقيقة للأذان في العاصمة الألمانية التي تمتلئ بالمسلمين من الأتراك، لكن دون انعكاس ذلك في شكل أذان تسمعه خمس مرات يوميا.

لا بأس، الجو هنا لطيف، الأمطار لا تهدأ إلا قليلا، والشعور بالبرد هو الأقوى، ما يعني أن الصيام لن يكون مرهقا إلى حد كبير.

تلك كانت الفترة التي تسبق وصول شهر رمضان إلى عتبة برلين، أما وقد دخل الشهر الفضيل، فقد بدا هناك مشكلة أخرى ربما لم أكن منتبها لها في الأيام العادية، فكوني عربيا يفرض علي ذلك كسر الصيام بالكثير من كل شئ، سواء من المأكل أومن المشرب، إضافة إلى الأجواء العائلية أو الاجتماعية التي لا يكتمل مشهد الافطار بدونها، وهو بالطبع ما لم يكن متوفرا في الحياة البرلينية.

لم يكن هناك الكثير من الخيارات فيما يتعلق بالأكل، فالمنطقة التي أسكن بها بعيدة إلى حد ما عن وسط المدينة الذي يمتلئ بالمطاعم، ولا أجد في الأفق سوى مطاعم بيع الشاورما التركي، أو ما يسمى في ألمانيا بـ"دونر كباب"، وهي الأكلة الرئيسية للكثير من العرب، على الأقل في المنطقة التي أقمت في رحابها طيلة الشهرين.

لا أجد أية مشكلة في تناول نفس الطعام يوميا، كما أن تناول الأكل وحيدا لا يجعلني منتبها أو مهتما بالطعم والاستمتاع بالأكل على غير عادتي، كما أن الدونر كباب يقوم بدور جيد في تحمل الصيام طيلة الساعات القادمة والتي تقترب من يوم كامل في بعض الأيام، نظرا لأنه يقوم بدور وجبتي الافطار والسحور معا.

يحل موعد الافطار في العالم العربي بينما أتابع تويتر ومازال النهار في برلين واضحا متأكدا من أن موعد الافطار لم يحن بعد، أطالع ما يكتبه الأصدقاء أثناء لحظات الافطار، فهناك من يحكي بالتفصيل ما أنعم الله به عليه كي يكسر صيامه، بينما هو في الحقيقة يكسر قلبي الصغير بما يصفه من أكلات تثير الشهية وتزيد الاحساس بالجوع.

أستمر في المتابعة فأجد أن الكثير من الأصدقاء قد كتب عليه الافطار في الظلام، نظرا لانقطاع الكهرباء منذ بداية الشهر، بينما أنعم أنا بالكهرباء الألمانية التي احتفلت العام الماضي بعدم انقطاعها لمدة 30 عاما!
أذهب إلى الدورة التدريبية التي هي سبب وجودي في برلين، يسألني الزملاء الأجانب عن شهر رمضان والصيام، فيتعجبون كيف أستطيع البقاء حيا طوال تلك الساعات دون طعام، بينما الصدمة الحقيقة بالنسبة اليهم كانت عندما اكتشفوا أني أيضا بلا شراب! فهم يعتقدون أن الصيام يمنعني عن الطعام فقط، بينما يمكنني شرب الماء على الأقل.