«المُستبَّانِ شيطانان»؛

فبادِرُوا بالصُّلح والإحسان
أيُّها الإخوةُ الخِلاّن- قبلَ (ليلة النصف من شعبان):



... تَفْصِلُنا عن (ليلة النصف من شعبان) -المباركة- أيامٌ معلومات، وساعاتٌ معدودات!

ولهذه الليلةِ الجليلةِ فَضْلٌ خاصٌّ، وبَركةٌ متميِّزةٌ؛ وهي: ما صحَّ عن نبيِّنا الكريم -صلى الله عليه وسلم- أنَّه قال -فيها-: «يطَّلعُ اللهُ -تبارك وتعالى- إلى خَلْقِهِ ليلةَ النِّصف مِن شعبان؛ فيغفرُ لجميعِ خلقِه؛ إلاّ لمُشركٍ أو مُشاحِن» [«السلسلة الصحيحة» (1144)].


فهذه مُناسَبةٌ مُناسِبةٌ لاستدراك ما فات، والتراجُع عن الأخطاءِ والخطيئات، والعَفْو عن الهَنَاتِ والزَّلاّت.



وثمَّةَ حديثان شريفان عظيمان أُورِدُهما ليتذَكَّر هَدْيَهُما كُلُّ الإخوان -وبخاصَّةٍ في ذا الأوان-:


* أولُهما: قولُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: «المُسْتَبَّانِ ما قالا؛ فعلى البادئِ [منهُما] ما لمْ يَعْتَدِ المظلوم» [رواهُ مسلم].

فـ: «المُسْتَبَّان»: هُما اللذانِ يتبادلانِ الشتيمةَ فيما بينَهما؛ فيشتِمُ أحدُهما الآخرَ.

و: «ما قالا»؛ أي: إثمُ ما قالاهُ مِن السبِّ والشتم والأذى.

و: «على البادئِ منهُما»؛ أي: يعودُ ذلك الإثمُ على مَن كانَ السَّبَبَ في هذه المُشاحنةِ، وتلكُم المُخاصمة.

و: «ما لم يَعْتَدِ المظلومُ»؛ أي: يتجاوزِ الحدَّ المشروعَ في الردِّ على سبِّ ذاك وشَتْمِه.

فلا يكونُ الإثمُ -والحالةُ هذه- على البادئ فقط- وإن كان هو السببَ الرئيسَ في السَّبِّ!-، بل يَشْمَلُهُمَا الإثمُ -جميعاً-..

وفي هذا الحديث الشريفِ:
- تحذيرٌ (للبادئ) بالظلمِ، والسبِّ، والتجاوز، وبيانُ أنَّ أصلَ الإثمِ واقعٌ عليه، مجرورٌ إليه...

- وتحذيرٌ لِمَن وَقَعَ عليه السبُّ، والظلمُ، والتجاوُزُ -ابتداءً- أنْ يحفَظَ موقعَ قَدَمِهِ! وأن يحذر جَوْرَ لسانِه أو قَلَمِهِ!!

فحَذارِ حَذار...

فإذا وقعتِ الواقعةُ؛ وتبادَلَ الطرفانِ:

السبَّ..
والشتمَ..
والإيذاءَ..
والإقذاعَ..
والظلمَ...
والافتراءَ:


... فيقعُ عليهما -جميعاً- الحكمُ الجليُّ الحاسمُ الذي صرَّحَ به الحديثُ النبويُّ الآخرُ، وهو:

* ثانيهما: «المُسْتَبَّانِ شيطانان؛ يَتهاتران، ويَتكاذبان» [«صحيح الترغيب والترهيب»

(2781)]...
فقولُهُ: «يتهاتران»؛ أي: (كُلٌّ منهما يتسقَّطُ صاحبَهُ، وينتقصُهُ -مِن (الهَتْروهو الباطلُ مِن القول)
-كما قال المُناوي-.


إخواني في الله:
هذه جُملةُ محاذير، ومجموعةُ تحذيرات...
فاحذَروها، وحاذِرُوها، وحَذِّرُوا منها...

وبخاصَّة (البادئَ)!!
ومعه (المتجاوز)!!

فَـ:
لا تُؤَجِّل....
لا تُسَوِّف...
لا (تُرْجئ)...

فهذا -كُلُّهُ- مِن عَمَل الشيطان، وكيده لعبادِ الرحمن...
وأنتَ -أيُّها المعترضُ بهواك - راقِبْ ما تَقْتَرِفُ يداك، وكُفَّ عنَّا لسانَك وأذاك! واقْطَعْ عن إخوانِك تشغيبَك -هذا وذاك-! وعالِجْ نفسَك مِن مَرَضِك ودائِك وبَلاك!!!

أقولُ هذا -كُلَّه- {وما أُبَرِّئُ نفسي إنَّ النفسَ لأمَّارةٌ بالسُّوءِ إلاّ ما رَحِمَ ربِّي إنَّ ربِّي غفورٌ رحيم}..




أَبِنْ لي ما ترى والمرءُ تأْبَــى * * * عـزيمــتُهُ ويَغْلِـبُهُ هــواه



فيَـعْمَى ما يُرى فيـه عليهِ * * * ويحسبُ ما يـــراهُ لا يراه


فحَذارِ مِن (المخالفةِ) حَذار...
والبِدارَ إلى (المُراجعةِ) البِدار..

ولْنُقارِنْ -أخيراً- بين صِنْفَيْنِ مِن الناس -ولْنَحْمَدِ اللهَ على العافية!-:

- مَن يَسْعَدُ بالاتِّفاق، ويكونُ إلى الأُلْفةِ بأعظمِ اشتياق...
- ومَن يَفْرَحُ بالخُلْفِ والافتراق! ويُسْخِطُهُ الاجتماعُ حَدَّ الانْفِلاق!!


... {فأيُّ الفريقينِ أحقُّ بالأمنِ إنْ كنتم تعلمون}؟!
{فاتَّقوا اللهَ وأصلِحوا ذاتَ بينِكم}..
{والصُّلحُ خيرٌ}..
{ولا يزالون مُختلفين إلاّ مَن رحِمَ ربُّك}.


ولْيَكُنْ -أخي المُكَرَّمُ- لِسانُ حالِك، ونصُّ مُقالِك -مُرَدِّداً لا مُتَرَدِّداً-:


وأَجْتَنِبُ الـمَقاذِعَ حيثُ كانت * * * وأَتْرُكُ ما هَوَيْتُ لما خَشِيتُ




... واللهُ مِن وراءِ القَصْد...


* * *

نقلته بتصرف يتناسب وعنوان الموضوع فقط