هل تعاني من مشكلة بتسجل الدخول ؟ و لا يمكنك استرجاع كلمة المرور بسبب مشكله بعنوان بريديك الالكتروني المسجل بالمنتدى؟ انقر هنا لكي تتواصل معنا و سوف نقوم بمساعدتك!

أضف اعلانك هنا

كن مساهما في التطوير

النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: سيرة المرحوم الشيخ جابر بن عبدالله الصباح الملقب ( جابر العيش )

  1. #1
    عضو فعّال
    الحالة : مشاعر خجولة غير متصل
    رقم العضوية : 6861
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 151
    Rep Power : 12
    Array

    سيرة المرحوم الشيخ جابر بن عبدالله الصباح الملقب ( جابر العيش )


    سيرة المرحوم الشيخ جابر بن عبدالله الصباح المللقب ( جابر العيش )


    بسم الله الرحمن الرحيم



    جوانب من تاريخ ثالث حكام الكويت
    سيرة... «جابر العيش»


    يعد الشيخ جابر العيش بن عبد الله الصباح حاكم الكويت الثالث واحداً من أبرز الشخصيات السياسية التي عرفتها المنطقة في القرن التاسع عشر الميلادي ، فبحكمته وعلاقاته الطيبة بمعظم القوى الإقليمية والدولية في ذلك الوقت استطاع أن يمنح بلاده دفعة قوية لتتحول تلك البلدة الصغيرة إلى دولة مستقلة تتمتع باحترام الجميع ، وهو بذلك يكون قد وضع لبنة أساسية في ما أكمله حفيده أسد الجزيرة الشيخ مبارك الصباح بعد ذلك.

    واليوم نتطرق لجوانب من حياة هذا الحاكم الذي جمع خصالاً طيبة لعل أبرزها الكرم، والشجاعة، وإغاثة الملهوف، وحب الخير.

    مولده ونشأته
    كما هو الحال بالنسبة للكثير من الشخصيات المهمة في تاريخنا لا نمتلك معلومات محددة عن العام الذي ولد فيه الشيخ جابر العيش ، ولكن يمكننا الاستدلال بالشواهد التاريخية لتقريب ذلك التاريخ.
    فإذا علمنا أن الرشيد في تاريخه ذكر أن الشيخ عبد الله بن صباح بن جابر العيش ولد في سنة وفاة جد أبيه عبد الله الأول 1229 هـ (1814 م) مما يعني أن جابر العيش صار جداً في تلك السنة بولادة الابن الأكبر لابنه البكر فإننا يمكن أن نستنتج أن عمره يومها كان في الأربعين أو بعدها بقليل لوصف ابن مسلم له في قصيدة المدح بالفتى أكثر من مرة.

    أي أن جابر العيش ولد حوالي سنة 9011 هـ (1776 م) أو قبلها بسنوات قليلة، وهذا يتوافق مع كونه قد عجز عن أمور الحكم في أخريات أيامه، فأوكلها لابنه صباح قبل وفاته سنة 1276هـ، وهو بحسابنا يكون قد قارب التسعين من العمر، وهو سن معقول لمن يعجز عن إدارة الحكم.

    أما ما ذكره لويس بيلي رواية عن الشيخ صباح بن جابر العيش من أن والده توفي عن مائة وعشرين عاماً ( أي أنه من مواليد 1156هـ ( 1743م))، فلا يعول عليه لأن العرب يبالغون عادة في أعمار المسنين من آبائهم ، ولو صح ذلك لكان الشيخ جابر العيش قد تولى الحكم، وقد تجاوز السبعين من عمره؟، فكيف يتوافق ذلك وقيادته للجيوش إبان حكمه، وكيف وُصف خلافه مع أبيه بأنه خلاف الأب المسن مع ولده الشاب الطموح؟!

    ونشأ جابر العيش نشأة طيبة دلت عليها صفاته التي تجلت إبان حكمه من شجاعة وكرم، وقد أسند إليه أبوه بعض المهمات، ومنها قيادة القوة الكويتية لمساعدة حاكم البحرين الشيخ عبد الله بن أحمد آل خليفة في صراعه مع الشيخ رحمة بن جابر الجلاهمة الموالي، وذلك في معركة بحرية وقعت في ربيع الأول 1225هـ ( إبريل 1810م) ، وقتل في المعركة التي جرت في ( خوير حسان) عدد كبير من الطرفين حتى قال المؤرخ ابن لعبون: ( مات خلق كثير من الفريقين قتلاً وحرقاً وغرقاً، واحترقت السفن بمن فيها) ، ومن بين القتلى الشيخ دعيج بن سلمان الصباح، وراشد بن عبد الله آل خليفة.

    توليه الحكم
    شهدت السنوات الأخيرة من حكم الشيخ عبد الله الأول بن صباح خلافاً بينه وبين ابنه جابر لم تذكر المصادر سببه سوى أنه مجرد ( مغاضبة) ، وهو وصف لا يوحي بأكثر من خلاف عادي بين حاكم وولده الوحيد المفروغ من وراثته للحكم من بعده ، ويذكر حسين الشيخ خزعل أن هذا الخلاف الذي وقع سنة 1225 هـ ( 1810م) كان سببه التفاوت بين حكمة وتروّي الأب المسن، وحماسة واندفاع الابن الشاب.

    وجراء هذه المغاضبة توجه جابر إلى البحرين التي كانت تعد على الدوام الضفة الأخرى من حكم العتوب مما يعني أن جابر لم يذهب بعيداً في خلافه مع أبيه بل بقي بين أقربائه فترة من الزمن قدّر خلالها أن يتوفى الأب يوم الخميس 14 جمادي الأولى سنة 9122 هـ ( 5 مايو 1814 م).

    ولكون جابر هو الولد الوحيد المتبقي لأبيه إضافة إلى ما ذكر عن ميل أهل الكويت له لأخلاقه العالية وكرمه، فقد تم استدعائه من البحرين لاستلام الحكم الذي تولاه بالنيابة عنه خلال فترة الفراغ ابن عمه الشيخ محمد بن سلمان بن صباح الأول ، وبالفعل وصل الشيخ جابر إلى الكويت بحراً واستلم زمام الحكم وتمت المبايعة له.

    ويذكر الحاتم أن الشيخ محمد السلمان أراد الاستئثار بالحكم لنفسه ، ولكن أهل الكويت كاتبوا جابر العيش طالبين منه الإسراع بالعودة، واستلام حكم أبيه دون أن يذكروا له شيئاً عن أمر الشيخ محمد السلمان ، وعندما وصل جابر العيش استقبله أعيان الكويت في عرض البحر مبايعين مما دعا السلمان لمد يده مبايعاً جابر العيش على رأس المبايعين.

    وهذا ما انفرد به الحاتم من ذكر مطامح الشيخ محمد السلمان ، وذلك يتعارض ما ورد في رواية شفوية أخرى من أن الشيخ جابر العيش عندما نزل في ( بنيد القار) - موقع على البحر جنوب مدينة الكويت - استقبله الشيخ محمد السلمان، وقال له: ( يا شيخ جابر. أنا سيفك بيمناك، والبلد حفظتها لك بغيابك ، واليوم هذي بلادك، والأمر والسلطان بيدك ، وأنا عوينك في المعسرات، وعضدك الذي لا يخالفك أو يعصيك) ، فشكره جابر العيش، وأثنى على مروءته وشهامته.

    صفاته
    كتب الرشيد في تاريخه واصفاً شخصية الشيخ جابر العيش:
    ( كان جابر.. عاقلاً حليماً حازماً كريماً يضرب بكرمه المثل، وقد سمي ( جابر العيش) لكثرة ما يتصدق به على الفقراء والمساكين ، والعيش في لسان الكويتيين يطلق على الرز ، ومن الغريب أنه مع هذا البذل العظيم لم تكن له من المصادر التي يستقي منها إلا نزر يسير لا ينقع غلة، ولا يطفئ ظمأ ، ولقد عرف كرمه، وارتفاع قدره في السخاء بعض معاصريه من الحكام والأمراء، فرفعوه إلى أعلى مقام تحسده عليه الكواكب النيرة).

    ومن الشهادات لجابر العيش في هذا المجال تذكر مقولة الشيخ بندر بن محمد السعدون شيخ المنتفق، وكان موصوفاً بالكرم هو الآخر، ومدائح ابن ربيعة الشاعر فيه تدل على ذلك، فحين سأل جلساه: ( من الذي يستحق وصف الكريم في هذه الجزيرة؟) قال الحاضرون جميعاً: ( أنت أيها الأمير)، فقال بندر: ( ما الكريم في الحقيقة إلا جابر الصباح أخو مريم الذي يبسط الحصر في الأسواق، ويملؤها من التمن للمحتاجين، وليس له واردات تغنيه أما أنا فلا فخر لي، وكثير من أملاك البصرة بيدي).

    ويقول المصلح الكويتي يوسف بن عيسى القناعي عن الشيخ جابر:
    ( المشهور عنه أنه رجل عاقل هادئ الطبع. محب لقومه مشفق عليهم. اشتهر بجابر العيش لكرمه، ولأنه كان يطبخ الأرز للفقراء ، وله عريش قرب بيته يجتمعون فيه، ويقدم لهم الطعام).

    ويذكر الشاعر الأحسائي محمد بن مسلم هذا الوصف أيضاً في قصيدته بمدح الشيخ جابر العيش حين يقول:
    إلي من جا العصر نادوا عبيده:
    هلمّ الى العشا ياللي تريده
    تزيد مروّته، الله يزيده
    وفضل الله جزلٍ بالعطيّة

    وإضافة إلى الكرم يورد الرشيد حكاية تدل على ما كان يتمتع به جابر العيش من وفاء وحفظ للجميل، وملخصها أن جابر عندما كان في البحرين خلال معاتبته لأبيه حل عليه ضيف ليلاً، فذهب إلى تاجر بحريني يدعى( أبو هناد) لشراء شاة لإكرام الضيف، ولكن أبا هناد رفض أخذ مقابل للشاة، وأصر على تقديمها لجابر مجاناً.

    ومرت السنوات، ويتولى جابر حكم الكويت ، ويأتي أبو هناد لشراء تمر كثير من أملاك جابر الزراعية في الفاو دون أن يعرف أن صاحبه في تلك الليلة هو الحاكم الآن ، وبعد الاتفاق على الثمن شرع أبو هناد في عدّ القيمة، وعندها قال جابر متجاهلاً: ( يا أبا هناد. إننا لا نريد إلا حقنا الواجب ، وأنت عددت أكثر منه، فكأنك أردت أن تختبرنا في أخذ ما زاد على الحق، فالذي لنا هو نصف ما عددت لا غير).

    وحاول أبو هناد إقناعه بصحة الحساب ، ولكن جابر رفض ذلك، وأصر على أخذ نصف القيمة ، وذهب أبو هناد بالنصف الآخر، وهو لا يعرف سبباً لتلك المغالطة الكريمة إلى أن أخبره من يعرف أطراف الحكاية.

    وإضافة إلى ما سبق، فإن جابر العيش امتاز بالدهاء كسياسي والحنكة كقائد عسكري، ويورد الرشيد حادثة تبين ذلك عندما قدم جابر بأسطوله إبان محاصرة البصرة خلال الصراع بين عجيل بن محمد السعدون وأبناء عمه حمود بن ثامر سنة 1242 هـ ( 1827م) ، وحدث أن السفن الكويتية لم تنضم مباشرة لحلف (عجيل السعدون، ومتسلم البصرة، وحاكم الزبير علي بن يوسف الزهير)، فأراد الأخير تدبير حيلة.. ( توقع جابر عند الحكومة العثمانية) ، فأرسل إليه حوالة بأضعاف راتب جابر من التمر الذي كان يستلمه من العثمانيين ، فرفض جابر قبول تلك الحوالة، ولم يأخذ إلا ما هو مقرر له سابقاً.

    ولم يقبل جابر العيش نصائح كاتبه ( ابن هاشم) بقبول الحوالة الكبيرة لمعرفته بغرض علي الزهير الذي كان يريد إيهام العثمانيين بأن جابر كان قادماً لمساعدة الطرف الآخر، ولم يغير رأيه إلا بسبب ما قدمه له الزهير من مال في الحوالة!!

    وبالحديث عن الصفات النبيلة لجابر العيش، فلا نغفل ما يُمدح به الزعيم المحلّي في الأشعار النبطية بأنه : ( زبن الخائف، وحامي الجاني) ، وهي صفة كان الشيخ جابر العيش يمثلها بشكل واضح حتى تكررت الحوادث المؤكدة لها في عهده مرات عديدة، ويبدو أن ورثها عن أبيه الشيخ عبد الله الأول الصباح الذي استقبلت الكويت في عهده عدد من اللاجئين السياسيين الهاربين من سلطة بغداد، ونعني شيخ المنتفق ثويني بن عبد الله آل شبيب، وحليفة متسلم البصرة السابق مصطفى آغا الكردي، وذلك سنة 1203هـ (1789م).

    وتضاعفت أعداد حالات اللجوء إلى الكويت في عهد الشيخ جابر العيش كما يتضح لنا من الآتي:
    1- رغم مشاركة الشيخ جابر العيش في حصار الزبير لصالح عيسى بن محمد السعدون إلا أن هذا لم يمنعه من استقبال راشد السعدون الذي كان من أقطاب الجانب الآخر في ذلك الحصار.

    وكان راشد قد وصل الكويت سنة 1249 هـ ( 1833م) برفقة واحد من آل الزهير ( رغم أن الرشيد يفصل بين الحادثتين) خلال غياب جابر العيش في أحد أسفاره، فقامت أخته مريم مقامه في إكرام الضيف ، فأكبر راشد نباهة تلك المرأة كما أن الإحسان الذي غمره به جابر العيش جعلته حال عودته يقوم بإهداء أراضي زراعية في العراق للشيخ جابر الصباح.

    ويذكر الرشيد أن راشد السعدون عرض على جابر العيش أرض المعامر كاملة أو ثلاثة أحواز من الفاو ، فاختار جابر الثلاثة أحواز رغم أن المعامر أكبر وأكثر نخيلاً وعمارة معللاً اختياره بأن الفاو على شاطئ البحر مما يجعل أرضها مرشحة للاتساع لما يرميه النهر من الطمي.

    وإضافة لما ذكره الرشيد أرى أن جابر العيش اختار الفاو أيضاً لما يوفره الموقع البحري من حماية لسفن الكويتيين القادمين للاتجار مع البصرة إضافة إلى أن اتصالها الحدودي المباشر مع الكويت يعطي مالكها استقلالية عن ضغوطات الأتراك، وبعداً عن الأحداث التي كانت تموج بها البصرة في تلك الفترة.

    2- ممن تذكر المصادر التجاءهم للكويت التاجر السوري ( ضامر بن حويمد) الذي تصدى لجباة الرسوم التابعين لوالي سوريا مصطفى باشا ، وقتل قائدهم برهان بك خلال مواجهة بين قافلة تجارية لضامر والجباة قرب دمشق، وبعد ذلك توجه إلى الكويت طالباً الحماية من جابر العيش الذي وافق على ذلك، وقال له: ( أنت وأهلك في حمانا وضيافتنا ، فكن آمناً هادئاً، ولن يصلك أحد بسوء مازلت مقيماً في حمانا ، وسأمنع عنك كل أذى حتى لو أحوجت الضرورة إلى سل الحسام ، وهؤلاء الكرام جميعهم شهود).. مشيراً إلى حضور مجلسه.


    وعندما علم مصطفى باشا بوجود ضامر في الكويت أرسل رسلاً يحملون توصيات من والي بغداد وقتئذ داود باشا ومتسلم البصرة عزيز آغا لتسليم ضامر، ولكن جابر العيش رفض تسليم ضيفه، ولم يستجب لكل تلك الوساطات، وظل ضامر في الكويت إلى أن عزلت الدولة العثمانية مصطفى باشا عن ولاية سوريا، وأعادته إلى اسطنبول ، فأخبر جابر العيش ضامراً بذلك، وخيّره بين العودة إلى بلاده أو البقاء في الكويت ، فاختار ضامر بن حويمد البقاء في الكويت قائلاً: ( لن أرحل عن بلد آوتني، وحمتني من عدوي اللدود في أشد أيام المحن).

    3- ضمن سلسلة الملتجئين إلى الكويت في عهد الشيخ جابر العيش نقرأ اسم الأمير خالد بن سعود الكبير آل سعود الذي عينته الحملة المصرية حاكماً اسمياً في نجد حتى تمت إزاحته على يد ابن عمه الأمير عبد الله بن ثنيان سنة 1257 هـ، فتوجه خالد إلى الكويت، ولكنه لم يطل المقام بها حيث عاد إلى القصيم، ومنها إلى مكة المكرمة حيث ظل يتلقى راتباً كبيراً من محمد علي باشا حتى توفي.

    4- من بين تلك السلسلة نجد أيضاً الشيخ عبد الله آل خليفة الذي هزم في معركة ضد أخيه الشيخ محمد آل خليفة في نزاع على الحكم في البحرين جرى سنة 1258هـ يتوجه إلى الكويت طالباً النصرة من شيخها جابر العيش، ولكن الظروف لم تسمح للكويت بتلبية طلبه، فاضطر لتركها، والتوجه إلى الرياض حيث لقي نفس الاستجابة.

    5- ولجأ إلى الكويت أيضاً في عهد الشيخ جابر العيش شيخ بني كعب ثامر بن غضبان، وذلك سنة 1257هـ (1841 م) بعد أن طرده حاكم عربستان الفارسي من مشيخته ، ولم تطل بثامر الإقامة في الكويت حيث غادرها فيما بعد إلى البصرة، وسبق لثامر هذا أن لجأ للكويت أيضاً بعد أن دمر والي بغداد المحمرة سنة 1253 هـ (1837م) حيث خشي ثامر على عاصمته ( الفلاحية) من التدمير أيضاً ، وظل في الكويت حتى استقرت الأوضاع وعاد إلى بلاده.

    أشهر الحوادث في عهده
    • ( بناء سور الكويت الثاني وترميمه) - سنة 1230هـ
    رغم أن الحاتم يذكر أن بناء السور الثاني لمدينة الكويت تم في عهد الشيخ عبد الله الأول والد جابر العيش إلا أن تحديد ذلك بسنة 1230هـ (1815 م) يبيّن أن بناء السور كان أول الأعمال التي التفت إليها جابر في بداية حكمه.

    ونظراً لأن السور بني بمادة هشة هي الطين، فإنه سرعان ما تصدع قبل مرور أقل من ثلاثين عاماً على بنائه مما شجع شيخ المنتفق بندر السعدون لمحاولة غزو الكويت الأمر الذي دعا الكويتيين لترميمه خلال استعداداتهم لصد الهجوم كما سنذكر لاحقاً كما تم توسيع سور الكويت من جهة الغرب لتكون نهايته ( نقعة ابن عبد الجليل) بإضافة بوابة جديدة هي بوابة( البدر) ليصل طول السور الثاني 3200 متراً كما بلغت مساحة المدينة المسوّرة 4 ،27 هكتاراً تقريباً.

    · (الدفاع عن البصرة وغزوة النصار) - سنة 1242 و1243 هـ:
    استنجد متسلم البصرة عزيز آغا بجابر العيش خلال محاصرة أبناء حمود بن ثامر السعدون للمدينة سنة 1242 هـ (1826 م) رداً على عزل أبيهم عن مشيخة المنتفق، وتعيين ابن عمهم عجيل بن محمد السعدون بدلاً منه ، وسار الشيخ جابر العيش بأسطوله البحري لإنجاد المدينة، وبالفعل شارك مع أطراف أخرى في إنقاذها، ورد المحاصرين الذين انسحبوا إلى المحمرة.

    وقد قدرت الدولة العثمانية هذه المشاركة لجابر العيش، فأمرت بتقرير راتب سنوي له يقدر بمائة وخمسين كارة من التمر ، وأهدت إليه فرماناً وعلماً أخضر ، ويذكر الرشيد أن هذا الراتب ظل يجري لآل الصباح إلى أول أيام الشيخ مبارك الصباح حفيد جابر العيش.

    وبعد أشهر قليلة قرر متسلم البصرة عزيز آغا استكمال اللحاق بأبناء حمود بن ثامر السعدون الذين تحالفوا مع بني كعب في الأهواز ، فسارت حملة أخرى قادها المتسلم وعجيل السعدون وعلي الزهير حاكم الزبير ، وبعد مكاتبة عزيز آغا للشيخ جابر العيش سار الأخير بأسطوله لمواكبة الحملة، وأرسى سفنه في الهارثة مقابل البريم ، ولكن هذه الحملة لم تكلل بالنجاح المطلوب إذ استطاع بنو كعب الانتصار عليها يوم 24 صفر 1243هـ.

    ورغم أن الرشيد يفصل بين الحادثة السابقة، وما درج على تسميته بغزوة النصار إلا أن وقائع التاريخ خاصة ما ذكره مؤرخو الأهواز تبين أن تلك الغزوة حدثت في الجولة الثانية التي شارك فيها الأسطول الكويتي سنة 1243هـ ، ولا يستبعد أن قتل النصار، ( وهم فرع من بني كعب) لرجل كويتي كان الدافع الرئيس لمشاركة الكويت في تلك الجولة حيث يذكر الرشيد أنهم قتلوا رجلاً من آل الدبوس الكويتيين.

    وكان الأسطول الكويتي قد تكبد أثناء القتال الذي جرى في شهر صفر عشرين قتيلاً، وعدداً كبيراً من الجرحى، وبينما هم يستعدون للانسحاب قام رجل من الكويتيين يدعى ( سالم) فقد أخويه في القتال برمي نفسه من السفينة عاضاً على سيفه بفمه سابحاً تجاه الأعداء ، وظل الآخرون ينادونه ( سالم.. سالم).

    وصادف أن لفظة (سالم) هي صيحة الحرب لدى العتوب، فاعتقدت بقية السفن أن الحرب قد قامت، فبدأوا القتال لتحدث معركة انتصر فيها جيش الكويت انتصاراً كبيراً، وسيطر على منطقة البريم، وغنم الكثير من جيش النصار الذي انسحب، فأراد الكويتيون اللحاق بهم لكن جابر منعهم، وقال بأخلاق الفارس النبيل: ( أتركوا لهم منهزما).

    ويبدو أن الغنائم في هذه المعركة كانت كبيرة للدرجة التي دعت شاعراً كويتياً للقول:
    خاسرٍ ياللي قعد في الديرة
    ما حضر يومٍ على النصار

    وبعد استيلاء الكويتيين على البريم ارتفعت معنويات المتسلم وحلفائه ، ورابطوا أمام المحمرة يقصفون حصون بني كعب بالمدافع في حين اتخذ الشيخ جابر العيش لأتباعه حصناً في ( أم الجبابي) بالقرب من سفنه المرابطة في ( أم الرصاص) ، واستمر الحصار حتى حدثت مفاوضات بين الأطراف المتحاربة، وتم الصلح في رمضان من سنة 1243هـ.

    ونكمل حديثنا عن سيرة الشيخ جابر العيش في الحلقة القادمة.


    ---------------------------------------------------------------



    يعد الشيخ جابر العيش بن عبد الله الصباح حاكم الكويت الثالث واحداً من أبرز الشخصيات السياسية التي عرفتها المنطقة في القرن التاسع عشر الميلادي ، فبحكمته وعلاقاته الطيبة بمعظم القوى الإقليمية والدولية في ذلك الوقت استطاع أن يمنح بلاده دفعة قوية لتتحول تلك البلدة الصغيرة إلى دولة مستقلة تتمتع باحترام الجميع ، وهو بذلك يكون قد وضع لبنة أساسية في ما أكمله حفيده أسد الجزيرة الشيخ مبارك الصباح بعد ذلك .


    واليوم نكمل حديثنا عن سيرة الشيخ جابر العيش في الحلقة الثالثة والأخيرة من هذا الموضوع، ونتم حديثنا عن أشهر الحوادث في زمنه:


    < ( الطاعون ) - سنة 1247هـ :
    وقع هذا الوباء الرهيب بين عامي 1246 هـ و 1247هـ ، وعم العراق والكويت ، وكان من الشدة كما وصفه ابن بشر، فقال : ( انقطع منه حمائل وقبائل، وخلت من أهلها المنازل ، وإذا دخل في بيت لم يخرج منه حتى لم يبق فيه عين تطرف ، وجثا الناس في بيوتهم لا يجدون من يدفنهم، وأموالهم عندهم ليس عندها حارس ولا والي، وأنتنت البلدان من جيف الإنسان ، وبقيت الدواب والأغنام تائهة في البلدان ليس عندها من يعلفها ويسقيها ).

    وممن مات في الكويت بسبب ذلك الطاعون الشاعر النبطي المعروف محمد بن لعبون، وكان قد استقر في الكويت قبل وفاته بفترة قصيرة ، وله في جابر العيش أبيات مدح في معرض هجائه للشاعر عبد الله بن ربيعة منها قوله:

    وان طعتني عن ذا السباع المظاهير
    عندك ( أخو مريم ) تصلفط بداره
    أبو صباحٍ ريف ركبٍ معابير
    هو زبن مضيومٍ جلا عن دياره
    جابر لكم سدرة وأنتم عصافير
    لى ضيم عصفورٍ لجا في جواره
    يستاهل البيضا بروس المقاصير
    واولاده اللي كل منهم نعارة



    < ( المشاركة في حصار الزبير - سنة 1249 هـ :
    وقع هذا الحصار في أواخر سنة 1248هـ ( 1833 ) ، ورغم اجتهاد المؤرخين في تعداد أسبابه الكثيرة فإن من الواضح أنه تم بإيعاز من الدولة العثمانية لموقف مناوئ سابق من شيخ الزبير عبد الرزاق بن يوسف الزهير ، وقاد المنتفق في ذلك الحصار شيخهم عيسى بن محمد بن ثامر السعدون ، وكان داخل الزبير عمه راشد بن ثامر السعدون الذي كان على خلاف مع ابن أخيه مما ضاعف حماسة عيسى السعدون لإحكام الحصار .

    وعندما اشتد الحصار وطال جاء الشيخ جابر العيش على رأس قوة كويتية لمساعدة عيسى ، ويبدو أن ذلك تم بدعوة من العثمانيين بالإضافة إلى عامل داخلي آخر هو أن عبد الرزاق الزهير كان قد أجلى في وقت سابق بعضاً من أهالي الزبير من آل الثاقب ومن شايعهم، فلجئوا إلى جابر العيش في الكويت ، وصاهرهم الشيخ جابر بزواج ابنه صباح من لولوة بنت محمد بن إبراهيم الثاقب (أم الشيوخ محمد وجراح ومبارك الصباح).

    وبعد سبعة أشهر من الحصار أي بعد حلول سنة 1249 هـ ( 1833م ) دخل المنتفق الزبير، وقبضوا على عبد الرزاق وأخوته، وقاموا بإعدامهم بسبب مقتل علي بن ثامر السعدون ( أحد أعمام عيسى الثمانية ) أثناء الحصار ، وتولى حكم الزبير محمد بن إبراهيم الثاقب، وعاد من كان جالياً من أهالي الزبير إلى بلدهم .

    < ( المشاركة في غزو المحمرة ) - سنة 1253 هـ :
    أغضب بروز ميناء المحمرة على الساحل الشرقي لشط العرب السلطات العثمانية خشية منها أن يؤدي إلى سحب الحركة التجارية من البصرة ، فأزمع والي بغداد علي رضا باشا القضاء عليه، فسار في سنة 1253 هـ (1837م ) بجيش نظامي وعشائري، وكاتب الشيخ جابر العيش طالباً منه القدوم إليه بسفنه ورجاله .
    وقد جاء الشيخ جابر العيش رغبة منه في إبقاء علاقاته الجيدة بالدولة ، والتحق بالقوة البحرية للحملة العسكرية التي استطاعت في 20 رجب 1253 هـ ( الجمعة 20 أكتوبر 1837م ) دخول المحمرة وتدميرها ، وبعد هذا النصر رافق والي بغداد علي رضا باشا الشيخ جابر العيش في طريق العودة حيث زار الكويت .

    ويذكر حسين الشيخ خزعل أن غرض الوالي من زيارة الكويت كان محاولة الاستفادة من الخلاف الواقع في تلك الأيام بين الأميرين السعوديين عبد الله بن ثنيان وخالد بن سعود ظاناً أن وجوده في الكويت سيشجع أحدهما لطلب مساعدته مما يسهل على الأتراك دخول نجد، والسيطرة عليها سيطرة مباشرة بدلاً من الوجود المصري الذي كانت فوائده الرئيسة تعود على مصر لا الباب العالي، ولكن ظن الوالي خاب وعاد إلى ولايته دون تحقيق المراد .
    ولشاعر الوالي عبد الباقي العمري قصيدة طويلة في وصف تدمير المحمرة، والثناء على المشاركين في تلك الحملة ، وقد ذكر جيش الكويت في بيتين هما :

    جابر في حصن الكويت قد التجا
    إلينا، وقاد الصافنات المضمّرة
    وقد شملته من عليٍّ مراحمٌ
    وخلعة فخرٍ فيه كمّل مفخر

    < (المراسلات مع خورشيد باشا ) - سنة 1255 هـ:
    بعد انتهاء حملة خورشيد باشا من تحقيق أهدافها في نجد تطلع قائدها نحو الخليج العربي والعراق ، فأرسل سنة 1255هـ (1839م ) مبعوثاً إلى الكويت يدعى ( محمد أفندي ) ليكون وكيلاً لشراء الإمدادات اللازمة لقوات خورشيد المقيمة في نجد من أسواق الكويت والبصرة والساحل الإيراني بالإضافة إلى مهمات سياسية من أهمها جمع الأخبار الأمر الذي أقلق السلطات البريطانية بعد أن أبدى الشيخ جابر العيش تعاوناً ملحوظاً مع مهمات محمد أفندي في التموين خاصة وأنه سبق لسفينة كويتية أن حملت شحنة من الذخيرة والعتاد من ميناء الحديدة اليمني إلى القطيف لصالح حملة خورشيد باشا .
    ولا نغفل أن استجلاب غضب خورشيد باشا لم يكن في مصلحة الكويت خاصة وأن نية حقيقية له بالزحف إلى البصرة، والسيطرة على العراق كانت شبه معلنة .

    وأمام هذا القلق تم إرسال المقيم البريطاني المساعد في الخليج المستر آدمونز إلى الكويت لمقابلة الشيخ جابر العيش، فوصلها في 12 رجب 1255هـ ( الجمعة 30 سبتمبر 1839م ) إلا أنه لم يلق استقبالاً لائقاً به في حين أن خصمه محمد أفندي كان يلقى تسهيلات واضحة مكّنته مثلاً من شراء كمية من الشعير ( الغلال ) حملها في عدة قوارب إلى القطيف في رمضان 1255هـ ( نوفمبر 1839م ).
    ويذكر محمود آغا المورودي أحد قادة العساكر الأتراك الموجودين في البصرة ممن فروا من العراق، وتوجهوا إلى الكويت خلال الأيام التي تواجد فيها محمد أفندي حسن استقبال الشيخ جابر له، وحمايته له إذ يقول هذا القائد في مذكرة له : ( بينما كان محمد أفندي ناوياً الإقامة في الكويت بضعة أيام جاء خطاب مع رجل مخصوص من البصرة لابن صباح - أمير الكويت - يطلب القبض علينا، وإعادتنا إلى البصرة، فلم يعبأ ابن صباح بذلك الكتاب، وأجاب بأنه غير قادر على القبض علينا، وإرسالنا بالإجبار . ثم أن الأمير المرقوم أركبني أنا ومحمد أفندي والعسكر الذي معنا سفينة، فوصلنا إلى الأحساء ).
    ومعروف أن خطط خورشيد باشا للتوسع شرقاً لم تفلح في نهاية الأمر ، ولكن تعاون الشيخ جابر العيش معها ظل دليلاً على ما كان يتمتع به كحاكم من شبكة واسعة من العلاقات مع مختلف القوى الإقليمية، وقدرة على التعامل المتوازن والمستقل مع مختلف التحديات .


    < ( دخول الكويت في المهادنة البحرية ) - سنة 1257هـ:
    كانت الاعتداءات العربية على السفن البريطانية المبحرة في الخليج العربي أو ما كان الإنكليز يسمونه بالقرصنة البحرية مصدر قلق لهم مما دعا القبطان هنل ( باليوز الخليج ) لعقد اتفاقية مع مشايخ الخليج للالتزام بعدم التعرض للملاحة في الخليج ، وقد وقع الاتفاقية عن الكويت الشيخ صباح بن جابر نيابة عن أبيه يوم السبت 7 رمضان سنة 1257هـ (23 إبريل 1841 م ) ، وفيها تعهد بمنع رعاياه من التعرض لسفن الموقعين على الاتفاقية، ومعاقبة من يتجاوز ذلك وإبلاغ السلطات البريطانية بذلك .


    < ( الوساطة في نزاع آل خليفة ) - سنة 1259هـ (1843م) :
    ظلت الكويت ترتبط بالبحرين بعلاقات ودية على مر القرون ساعد على توطيدها علاقة القربى التي تجمع أسرتي آل صباح وآل خليفة ، وهذا ما دعا الشيخ جابر العيش للقيام برحلة بحرية يقود ثمانية سفن في رجب 1259هـ ( أغسطس 1843م ) للوساطة بين الشيخين محمد بن خليفة وعبد الله بن أحمد في الخلاف الدائر بينهما ص ، ولكن تلك الوساطة لم يكتب لها النجاح بعد أن رفض الشيخ عبد الله الالتقاء بخصمه في جلسة صلح ، وتوجه إلى بوشهر لطلب مساعدة فارسية .
    وقد تطور الخلاف بين الشيخين البحرينيين لصالح الشيخ محمد بن خليفة فيما بعد مما دعا الشيخ عبد الله بن أحمد للجوء إلى الكويت سنة 1260هـ (1844 م ) ، وغادرها إلى بوشهر ثم عاد للكويت في السنة التالية، وتركها سنة 1262 هـ (1846 م ).


    < ( غزوة بندر السعدون ) سنة 1260هـ :
    يفصل عبد العزيز الرشيد بين محاولتين لبندر السعدون شيخ المنتفق غزو الكويت دون ذكر تواريخ لهما ، ولكن المنطق يجمع بين الحادثتين إذ أن فترة تولي بندر لمشيخة المنتفق لا تتعدى الخمس سنوات (1259 - 1264هـ ) ناهيك عن مشكلاته الكثيرة مع الدولة العثمانية خاصة في السنتين الأخيرتين من مشيخته، وبالتالي فمن الصعب أن يقوم بمحاولتين منفصلتين باتجاه الكويت كما أن سياق الحادثتين كما ذكره الرشيد يمكن وصله بسهولة كما فعل الشملان في تاريخه .
    وملخص الحادثة بعد جمعها أن بندر السعدون استغل فرصة تهدم سور الكويت سنة 1260هـ (1844 م ) للهجوم عليها ، ولكن الكويتيين حال سماعهم بذلك قاموا بإصلاح السور، ونصبوا المدافع، وهم ينشدون :

    قل لبندر قل له
    لا يغرّه ماله
    الاطواب جرت له
    والسور يبنى له


    وتجدر الإشارة إلى أن المدافع التي نصبت على السور قام بإرسالها إلى الكويت الشيخ عبد الرسول بن نصر آل مذكور أمير بوشهر الذي كانت تربطه علاقة صداقة قوية بالشيخ جابر العيش تعود إلى أيام إقامة الأخير في البحرين قبل توليه حكم الكويت ، ويذكر حسين الشيخ خزعل أن عبد الرسول عرض أيضاً إرسال مقاتلين وسفن وأسلحة إلى الكويت، ولكن جابر العيش شكره، واكتفى بطلب الأسلحة الثقيلة، ومن بينها المدافع ، وعبد الرسول في ذلك يرد جميلاً سابقاً لجابر العيش عندما أرسل إلى بوشهر سنة 1257هـ (1841 م ) سفينتين مملوءتين بالرجال والسلاح حفظاً للمدينة من قيام ثورة مضادة لحكم الشيخ عبد الرسول أثناء غيابه لأداء فريضة الحج .

    وإضافة إلى التحصينات الكويتية فقد أرسل أهل الكويت إلى بندر السعدون عند وصوله بجيشه إلى ( ملح ) على مقربة من الكويت واحداً من زعمائهم هو ( عبد الرحمن الدويرج ) الذي كان صديقاً مخلصاً لبندر السعدون في ذات الوقت ليعاتبه ويعلمه بصعوبة ما يريد،فقال له :
    ( مالك ولحرب أهل الكويت ، فإنهم تعاهدوا على مناجزتك،وعلى أن يقاتلوك قتال المستميت ، وقد أودعوا أموالهم ونساءهم والعزيز لديهم في سفن شراعية ، فإذا ما خذلوا في الميدان امتطوا غواربها إلى حيث لا تنالهم قوتك، ولا ترهبهم سطوتك . ثم ما الذي يدفعك إلى هذا المضيق، وجابر لا يرى بينك وبينه ما يقتضي خوض غمار الحرب، وسفك الدماء البريئة ، وهو مع هذا كله مستعد لأن يقدم لك ما أنت في حاجة إليه من ذخيرة وطعام ).

    ويذكر الرشيد أن بندر السعدون فت في عضده هذا الكلام ، وكسا الدويرج كسوة فاخرة ، وأرجعه مزوداً بالتحية لجابر وأهل الكويت، وعاد إلى دياره .



    < علاقاته الخارجية
    يذكر بيلي المقيم البريطاني في الخليج في تقرير كتبه سنة 1863م أن حاكم الكويت الشيخ صباح بن جابر العيش أخبره أن والده أوصاه قائلاً : ( يا بنيّ . سوف أموت قريباً ، ولم أترك لك ثروة ، ولكنني أترك لك الكثير من الأصدقاء الحقيقيين، فتمسك بهم ، ولاحظ أن دول الخليج حولنا تعاني من المشاكل الداخلية وسوء الإدارة بينما التزمت أنا بطريقتي، واتبعت أسلوبي الخاص. لهذا ورغم أنك محاط بالصحراء، ومهدد بقبائل البدو فأنه سيأتيك يوم تحقق فيه لبلدك الازدهار والرفاه ).
    هذه الوصية تبيّن لنا طبيعة السياسة التي اتبعها الشيخ جابر العيش للمرور بسفينة بلاده إلى بر الأمان في ظل الصراعات الإقليمية والدولية التي كانت تعج بها المنطقة في أيامه ، وسنلاحظ تطبيقات عملية لهذه السياسة في المحاور الآتية لعلاقات الكويت الخارجية في عهد جابر العيش :


    1- الأتراك :
    تظهر الحوادث التاريخية أن علاقة الكويت بالدولة العثمانية إبان حكم الشيخ جابر العيش كانت تسير بوتيرة حسنة خاصة وأن العراق في السنوات العشرين الأولى من حكمه كان خارج نطاق السيطرة المباشرة للعثمانيين بسبب حكم الولاة المماليك المستقلين نسبياً عن الباب العالي ، وكان جابر العيش على علاقة حسنة بهؤلاء، فنجده يلبي طلب متسلم البصرة عزيز آغا بالمشاركة في الدفاع عنها ضد هجوم قام به أبناء حمود بن ثامر السعدون سنة 1242 هـ (1826 م ).

    ويذكر تقرير بريطاني سنة 1829م أن حاكم الكويت يتلقى سنوياً خلعة شرفية من العثمانيين ( لعله يعني ولاية بغداد ) مقابل دفعه ضريبة هي عبارة عن أربعين كيساً من الأرز، وأربعمائة سباطة من التمور ، ومعروف أن تلك السنة التي فيها ذلك التقرير هي التي بدأ فيها الشيخ جابر العيش برفع العلم العثماني على السفن الكويتية .

    وبعد عودة الحكم العثماني المباشر بسقوط داود باشا والي بغداد سنة 1246هـ، وحكم علي رضا باشا استمرت العلاقة الحسنة بين العثمانيين والشيخ جابر العيش ، ويشهد لذلك إسهام جابر العيش بقواته في حصار المنتفق للزبير سنة 1249هـ الذي تم بإيعاز من الأتراك ، ومشاركته في استيلاء الأتراك على المحمرة سنة 1255هـ (1839 م ).

    وفي سنة 1253هـ (1837 م ) وصلت الأخبار للمنطقة أن خورشيد باشا قائد الحملة المصرية الجديدة على نجد يزمع احتلال الأحساء والزحف شمالاً باتجاه العراق ، ولدينا رسالة أشار إليها خورشيد باشا من تاجر كويتي هو ( عبد الله الفداغ ) موجهة للإمام فيصل بن تركي آل سعود اعتبرها خورشيد باشا دليلاً على وجود تحريض من ولاة الترك في بغداد للإمام فيصل لمقاومة المصريين .
    ويبدو أن هذه الرسالة لم تؤثر على العلاقات الرسمية بين الكويت وخورشيد باشا إذ تذكر الوثائق المصرية أيضاً أن الأخير اعتمد على أسواق الكويت في تموين حملته بالعلف والمؤن ونقله لجيوشه في الأحساء ونجد .


    2- الإنكليز :
    كانت العلاقات بين الشيخ جابر العيش والإنكليز في بداية حكمه جيدة كما يبدو من انتقال مقر الوكالة الإنكليزية من البصرة إلى الكويت في الفترة من (15 ديسمبر 1821 م ) إلى (19 إبريل 1822 م ) - أي من 20 ربيع الأول سنة 1237 هـ إلى 27 رجب من نفس السنة - خلال خلافها مع سلطات الأتراك في البصرة .
    ورغم قصر الفترة التي أمضتها الوكالة في الكويت التي لم تمتد لأكثر من أربعة أشهر إلا أنها تعطينا دلالة قوية على الاستقلالية التي كانت تمتع بها الكويت منذ تأسيسها رغم رفع سفنها للعلم العثماني لسبب اقتصادي بحت، وهو تسهيل مرورها في الموانئ خاصة البصرة .
    إلا أن طموحات الإنكليز تجاه الكويت تطورت فيما بعد لتصبح أطماعاً استعمارية حيث يذكر الرشيد أن مجموعة من الإنكليز حاولوا إقناع جابر العيش بحمل السفن الكويتية للعلم الإنكليزي بدلاً من العلم العثماني، فرفض جابر قائلاً : ( أن الحكومة العثمانية جارتنا، وجل ما نحتاجه يأتينا من بلدها البصرة التي لها فيها الأمر والنهي ) ، فحاولوا إقناعه بالحجة قائلين : ( أن الكويتيون أيضاً محتاجون إلى الهند، وسفنهم تصل إليها، وهي من مستعمرات إنكلترا ).

    وانتهى النقاش برفض جابر العيش تلبية ما طلبوه كما رفض طلباً آخر تقدموا به، وهو بناء مقر لهم في الكويت ، ويشير الرشيد إلى أن الإنكليز سألوا جابر : ( أتسمح للحكومة العثمانية في نزول بلدك، والبناء فيها. أم تمنعها كما منعتنا؟ )، فرد عليهم : ( نمنعها من ذلك إذا كان فيه ضرر علينا وعلى بلدنا ) ، فحاولوا أن يأخذوا منه صكاً بذلك، فرفض، وعادوا من حيث أتوا .

    ويوضح حسين الشيخ خزعل هذه الحادثة مؤرخاً لها بسنة 1273هـ (1857 م ) أي السنوات الأخيرة من حكم جابر العيش عندما قدم بعض قادة القطع البحرية القادمة للاستيلاء على المحمرة عرضاً بوضع الكويت تحت الحماية البريطانية ، فاعتذر لهم جابر العيش مبيناً أن مصالح بلاده ورعاياه مرتبطة بالدولة العثمانية كما رفض منحهم أرضاً لتموين بواخرهم .

    ورغم هذه الحادثة يذكر لوريمر : ( أن العلاقات الإنكليزية مع الشيخ جابر كانت دوماً طيبة ، فقد كان ينظر إليه على أنه صديق للحكومة البريطانية إذ أنه كان دوماً مجاملاً دمثاً في رسائله معها ).
    وقد أدت هذه العلاقة الطيبة إلى مرور عدد من الراحلة الأجانب، وخاصة الإنكليز بالكويت في عهد جابر العيش كان من أولهم البريطاني باكنجهام الذي زار الكويت سنة 1231 هـ (1816 م ) أي بعد عامين فقط من حكم جابر العيش، وكتب عنها ثماني صفحات في كتاب رحلته، فقال أنه: ( لا ميناء يلي القطيف شمالاً له أهمية تذكر سوى ميناء القرين ) ذاكراً أن الكويت قد احتفظت باستقلالها حتى في الوقت الذي خضعت فيه هرمز ومسقط والبحرين والإحساء للحكم الأجنبي .

    وبعد أربعة أعوام من مرور باكنجهام كتب الميجور كوليبرك في تقرير عن ساحل الخليج العربي بتاريخ 10 سبتمبر 1820م ( الأحد 2 ذي الحجة 1235هـ ) ما يلي : ( إن الكويت هي أول مستوطنة على رأس الخليج العربي ، وتقع في ميناء واسع يصلح لرسوّ السفن ، ويسكنها مجموعة من العرب يخضعون لآل الصباح، وهم فرع من قبيلة العتوب ، وتحميها قلعة مجهزة بعشرين مدفعاً ، وبناء على أكثر التقديرات احتمالاً، فإن السكان المسلحين يتراوح عددهم بين خمسة آلاف إلى سبعة آلاف رجل ، وإن بضع مئات منهم من العتوب أما الباقي فهم عبارة عن خليط ، وأنهم يعملون بالتجارة ويعيشون بسلام ).

    أما الرحالة ستوكويلر الذي زار الكويت في سنة الطاعون الرهيبة 1831 م ( 1246هـ )، فقد زعم أنه الأوربي الوحيد الذي زار هذه البقاع منذ أمد بعيد (!) ، وذكر أن مدينة الكويت في زمنه تمتد نحو ميل على الشاطئ ، وسكانها لا يزيدون على أربعة آلاف نسمة ، ولعل هذا التناقص الرهيب في عدد السكان نتيجة لفتك وباء الطاعون بأهل الكويت قبيل زيارة ستوكويلر لها .






  2. #2
    عضو فعّال
    الحالة : البروانى غير متصل
    رقم العضوية : 6864
    تاريخ التسجيل : Nov 2012
    الجنـس : ذكر
    المشاركات : 216
    Rep Power : 12
    Array

    يسلمووو على المعلومات الرائعة عن الشخصية الاكثر من رائعة وبانتظار المزيد





معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

مواقع النشر (المفضلة)

مواقع النشر (المفضلة)

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •