للشاعر...يحيى السَّماوي:
دَعيني مِنْ أماسيك ِ العِذاب ِ
فما أبْقى التغرّبُ من شبابي
قلبْتُ موائدي ورمَيْتُ كأسي
وشيّعْتُ الهوى ورتجْتُ بابي
خَبَرْتُ لذائذ َ الدنيا فكانتْ
أمَرَّ عليَّ من سَمّ ٍ وصاب ِ (1)
وجَدْتُ حَلاوةَ الإيمان أشهى
وأبْقى من لماكِ ومن إهابي (2)
أنا جُرْحٌ يسيرُ على دروب ٍ
يتوه بها المُصيبُ عن الصواب
سُلِبْتُ مسرّتي واسْتفرَدَتني
بِدار ِ الغربتين ِمِدى ارتيابي
وحاصَرَتِ الكهولة َ بعدَ وَهْن ٍ
يدُ النكبات ِ جائعَة َ الحِراب ِ
وما أبْقتْ ليَ الأيّام ُ إلآ
حُثالتها بإبْريق ٍ خَراب ِ
ترشفتُ اللظى حين اصطباحي
وأكمَلتُ اغتِباقي بالضباب ِ
تحَرِّضُني على جرحي طيوفٌ
فأنْبِشُها بسكِيني ونابي
ورُبَّ لذاذة ٍ أوْدَتْ بِنفس ٍ
وحِرمان ٍ يقودُ إلى الطِلاب ِ
أنا البَدَويّ .. لا يُغري نياقي
رُخامُ رُبىً وناطِحة ُالسحاب
ولا يُغوي صُداحَ فمي وقلبي
سوى عزفِ السّواني والرَّبابِ(3)
ودلةِ قهوة ٍ ووجاق ِ جَمْر ٍِ(4)
تحلقَ حولهُ ليلا ً صحابي
وبيْ شوق ٌ إلى خبز ٍ وتمْر ٍ
كما شوق الضرير إلى شهاب ِ
وللبَن ِِ الخضيض ِوماء كوز ٍ(5)
وظلّ حصيرة ٍ في حرِّ آب ِ
فطِرْنا قانعين بِفقر ِ حال ٍ
قناعة َ ثغر ِ زِقّ ٍ بالحباب ِ(6)
أبٌ صلى وصام وحجّ خمسا ً
وأمٌّ لا تقوم عن " الكتاب ِ "
وأطفالٌ ثمانية ٌ... أنابوا
عن الدنيا فراشات ِ الرّوابي
ألا يا أمس : أين اليومَ مني
صباحات ٌ مُشعْشِعَة ُ القِباب ِ؟
وفانوسٌ خجولُ الضوء تخبو
ذبالتهُ فيُسْرجُها عِتابي ؟
وأين شقاوتي طفلا ً عنيدا ً
أبى إلآ مُراكضة َ السّراب ِ ؟
أُشاكِسُ رِفقتي زهوا ً بريئا ً
ومن "خيشٍ وجنفاصٍ" ثيابي(7)
ألوذ بحضن ِ أمي خوفَ ذئب ٍ
عوى ليلا ً ورعبا ًمن ذِئاب ِ؟
كبرتُ وما يزال الخوفُ طفلا ً
وقد صار الفراقُ إلى ذِئاب ِ !!
يُشاكسُ خطوتي دربٌ طويل ٌ
فعَزَّ عليَّ يا أمي إيابي
وعزَّ على يديك ِ تمسُّ وجهي
لتمسَحَ عنه ذلَّ الإغتِراب ِ
وعاقبني الزمان ُ! وهل كنأي ٍ
بعيد ٍ عن بلادي من عِقاب ِ ؟؟
تقاسَمَتِ المنافي بعضَ صحبي
وبعضٌ ألحَدَتهُ يدُ الغياب (8)
عشقت ُ ديارَ ليلى قبل َ ليلى
فمِن ْ رَحِمِ الصِّبا وُلِدَ التصابي
ولستُ بمُبْدِل ٍ كأسا ً بكوز ٍ
ولا لهوا ً بعِفة ِ" ذي نِقاب ِ "
ولكن شاءتِ الأيامُ مني
وشاء جنونُ طيشي من لُبابي
ولولا خشيتي من سوء ِ ظن ّ ٍ
وما سيُقالُ عن فقدي صَوابي
لقلت ُ : أحِنُّ يا بغدادُ حتى
ولو لصدى طنين ٍ من ذبابِ
لطين ٍفي الفرات وضُنك عيش ٍ
جوارَ أبي المدَثر ِ بالتراب ِ
جوارَِ أُخيَّة ِ.. وأخ ..ٍ وأمّ ٍ
وأحْباب ٍ يُعَذبُهم عذابي
أظلُّ العشاقَ البدويّ.. أهفو
إلى نخل ٍ وللأرض ِ الرَّغاب ِ(9)
إذا كان العراقُ رغيفَ روحي
فإنّ ندى محبتهم شرابي !!
راقت لي~
مواقع النشر (المفضلة)